تخطفنا صور أبناء غزة وهم تحت حرب الإبادة، ينتظرون هدنة تنقذهم من الحرب المستمرة لأكثر من 6 أشهر، وهم يعيشون بين مجزرتى الإبادة والجوع، وتفشى المرض بلا علاج ولا مستشفى، فى الربع الأول من القرن الواحد والعشرين.
لم تكن صور البشاعة فى قتل الأطفال والنساء وهدم المدينة على رؤوس الملايين من أبنائها جديدة علينا، لأن مجازر إسرائيل منذ إنشائها فى عام 1948، متكررة فى كل الأحقاب، وقد حفرت فى ضمير منطقتنا رفضاً كاملاً لهذه المجازر.
نتنياهو قاتل ومجرم حرب، لن يخيف العرب من يقتل بهذا الأسلوب الإجرامى، فهو يعلمنا أن نعرف من هو العدو، بعد أن كنا نتصور أننا سوف نتعايش معا فى المنطقة العربية، وأنه سيكون هناك سلام، لكننا نعرف الآن أنه لن يكون هناك سلام إلا سلام سلاح، فلن تهدأ المنطقة العربية بعد هذه المجزرة البشعة فى الضمير العربى والإنسانى، إلا باتحاد العالم ضد الحرب.
الأمن الإقليمى الغائب الذى كنا نبحث عنه أصبح بعيد المنال، وصعب الحصول عليه فى هذا المناخ.
لن يتسلط اليهود على منطقة الشرق الأوسط، ولن تعود الإمبراطوريات القديمة من جديد أو يعود الاحتلال الغربى، الإنجليزى أو الأمريكى لمنطقة الشرق الأوسط، لقد أدرك المستعمرون القدامى أننا فى زمن جديد، وحمل المستعمر عصاه ورحل.
ألم تكن هذه كلها رسائل إلى نتنياهو وزمرته فى تل أبيب من المتطرفين، لكى يعرفوا أن عصر تحكم وعنصرية التعامل مع الفلسطينيين لن يستمر طويلا، وسيفشل حتما، وأنه من الضرورى إن لم يكن حتميا، أن يحصل الفلسطينيون على حق تقرير المصير والاستقلال، وأن حل الدولتين ضرورة، وأن إسرائيل لن تستطيع ولن تملك أن تشطب الفلسطينيين، من معادلة الحياة والكرامة والاستقلال.
حرب غزة الراهنة كشفت كل هذه المعادلات الجديدة، شطب الشعب الفلسطينى فى الضفة وغزة، واحتلال أراضيه.
نتنياهو وزمرته لن يكونوا آخر الحمقى الذين يتعلمون ذلك حتى نصل إلى هذه المعادلة أو الحقيقة الغائبة.
هذه المنطقة، الشرق الأوسط، آن لها أن تنجح وأن تجلس معا لحل معضلة الحروب والاضطرابات الإقليمية المستمرة منذ الحرب العالمية، حتى الآن الصورة الراهنة والعجز عن الوصول إلى اتفاق بإنهاء حالة الحرب فى غزة، تغذى الانهيار الإقليمى إذا كان البحث عن هدنة «شهر الصيام» طريقا للوصول إلى هذا الحل المنتظر، فليقبل الجميع عليه، وليدفع الوسطاء، الأمريكى والمصرى والقطرى إليه، حتى يعرف كل الأطراف أنهم يجب أن يلوذوا بالحق والعدل واحترام كل طرف حق الطرف الآخر فى الحياة بكرامة واستقلال.