فصبر جميل.... الخير قادم لمصرنا

11-3-2024 | 16:49

لا شك أن من علامات الإيمان ودلائله الصبر والاصطبار بمعنى المدوامة على الصبر في أوقات الشدائد والمحن على مستوى العقل الفردي، وبالمثل على مستوى العقل الجمعي؛ من خلال ذوبان وانصهار العقل الفردي في العقل الجمعي وذوبان الأنا في الآخر وانصهارهما مع بعضهما البعض حتى يكونا شيئًا واحدًا، جسدًا واحدًا، وتغليب المصلحة العامة على المنفعة الفردية، لا أقول إهمالًا تامًا للفرد، فما الفرد إلا مكون أصيل للمجموع، لكن لدينا قاعدة فقهية معتبرة، فقه الضرورة، أو ما يسمى بفقه الأولويات.

تلك هي قضيتنا الرئيسة فنحن لا نتحدث عن الإيمان بالله، فتلك مسألة ترجع إلى الضمير الفردي، إلى الذات والجوانية، وإن كنت أرى من وجهة نظري أن الإيمان بالله من ركائزه الأساسية ومقوماته الدافعة الإيمان بقضية أوطاننا على المستوى العام، والإيمان بقضيتنا وشغلنا الشاغل، النهوض بمحبوبتنا الأم، مصر الغالية، التي عانت كثيرًا من حملات استعمارية، وحملات صليبية، وهجمات تتارية، عانت من شعارات دينية براقة استقطبت أهم شيء فيها ألا وهو خيرة شبابها فصاروا فريسة لهذه التيارات التي أطلقت على نفسها حركات جهادية، مستغلين بعض الفاقة التي أصابت الأسر جراء أزمات اقتصادية عانى منها العالم أجمع، ومن هنا بات الأمر جد ملح للتصدي بكل ما أوتينا من قوة للوقوف ضد هذه التيارات بفكر واعٍ مستنير عن طريق خطاب ديني متجدد يطبق الدين الصحيح دونما إفراط أو تفريط، دين وسطي أرسى دعائمه النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا هو جوهر الإيمان، فالإيمان ليس بالأماني والتمني، وإنما الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فلا ينبغي بحال من الأحوال أن نقول نحن نحب وطننا ونؤمن بقضاياه ونقف خلف قادته، أسألكم وأقول ما علامة إيمانكم وماذا قدمتم لوطنكم وبلدكم.

وأسألكم هل تركتم اللامبالاة وتركتم المقصورة أيا كانت درجة أولى أو حتى ثالثة ونزلتم إلى الملعب لتكافحوا مع زملائكم، فالعمل الجماعي خير من الفردي والبركة بالمجموع، فلو كنت طبيبًا أو معلمًا أو مهندسًا أو ضابطًا أو جنديًا، أو أستاذًا جامعيًا، أو وزيرًا هل أديتم ما عليكم لوطنكم الذي تزعمون أنكم تؤمنون به وبقضاياه، نعم قضاياه ومشكلاته، فمن خلال منطق العقل، ليس هناك بلد دون مشكلات وأزمات، سواء أزمات اقتصادية، تعليمية، ثقافية، حدودية، وأركز وأشدد على كلمة حدودية، أنظروا إلى حدودنا ومن يتربص بها، من كل جهاتها، أليس من باب أولى ومن فقه الأولويات أن تتضافر كل الجهود من أجل الوقوف خلف حماة الديار، أليس من العار الطعن والتشكيك والتخوين الذي تبثه قنوات الفتنة من خارج البلاد.

أليس من العار أن ينقاد البعض، وهم قلة، وراء هؤلاء المضللين الذين يلعبون على وتر حساس، ألا وهو لا توجد مؤن تكفي، لا توجد سلع تموينية، سيحدث جفاف وفقر مائي.

نقول لهؤلاء ومن شايعهم ومن يسمع منهم ولهم، منذ متى تنعقون بما لا تسمعون ولا تعقلون، سنوات، وكلما حلت بنا ضائقة أو أزمة إلا وتصدينا لها وصبرنا عليها مصطبرين اصطبارًا جميلًا لا يخالطه جزع، صحيح قد يحدث بعض الضيق والقلق والضجر، لكن في نهاية الأمر تحدث انفراجات، وهذا ما أخبرنا عنه الله تعالى (إن مع العسر يسرا).

والسؤال الذي يطرح نفسه، أيهما أفضل وينبغي اتباعه والسير خلفه ساترين ظهره، من يخبرك بالحقيقة كاملة ويطلعك على مشكلاتك ويحاول مع إدارته ووزرائه أن يجدوا لها حلولًا أم من يتركك أعمى لا يخبرك بشيء، ويقول هى فترة ساقضيها وسأتركها وأمشي؟!

الإجابة المنطقية عند ذوي الإيمان الحقيقي الإيمان العقلي المؤيد بالإيمان القلبي المصدق بالعمل وعقد العزيمة على الصبر والاستمرار ومواصلة الرحلة رحلة الكفاح الشاق، رحلة التعب اللذيذ، نعم تعب لذيذ ولذته فى مذاق الإنجازات التي تحققت وستتحقق، والتي لاحت بشائرها في الآفاق تعلو وتزدهر وبقليل من الصبر والاصطبار سنجني ثمار تعبنا.
الإجابة يا أولو الألباب، الإجابة الناجعة قولوها معي نعم سنصبر، نعم سنسير خلف من يطلعنا على حالنا؛ لأنه واحد منا همنا همه، فرحنا فرحه، كربنا كربه، وسنجاهد معه متسلحين بالإيمان مدعومين منطلقين إلى العمل والجد والاجتهاد، وحتمًا ستتحقق غايتنا وبغيتنا، فالقضية ليست مأكلًا ومشربًا وملبسًا، المسألة أكبر من ذلك بكثير، ولنا فى رسول الله الأسوة الحسنة والقدوة، ألم يأكل النبي وصحابته أوراق الأشجار، كم ليلة باتها أفضل خلق الله جوعان وصحابته الكرام مثله على هذا الحال.

ورب واحد يسأل هل معقول ونحن في القرن الحادي والعشرين نجوع ولا نجد مأكلنا ومشربنا، أقول له ومن الذي قال لك إنك ستجوع، أكبر دول العالم مستدانة، وتحاول أن تتواءم وتتكيف مع واقعها، وأقول لا شدة تستمر وتدوم وإنما هي فترة وستمر، وهنا يأتي دور الصبر والاصطبار.

إن ما تمر به بلدنا الحبيب مصر الآن يعد لحظة فارقة في تاريخنا، نكون أو لا نكون، نبني أو نهدم، ونحن إن شاء الله سنكون وسنبني ولن نهدم أبدًا وسنسبر في طريق نهضتنا وسنعمر جمهوريتنا الجديدة التي سيتحقق فيها الخير والحق والجمال، وستتحقق فيها المشاريع العملاقة التي ستحدث طفرة في كل المجالات.
وسنحقق التنمية الشاملة المستدامة.
فهل سنصبر ونصطبر ونتسلح بايماننا بقضيتنا الرئيسة "مصر"
التي في خاطرنا، والتي نفديها بأرواحنا.

وهكذا حال الأمة، ينبغي أن تكون على قلب رجل واحد ينبض نبضًا واحدًا، يهتف هتافًا واحدًا، ألا وهو حتما ستتحقق المعادلة الصعبة وستنفك رموزها وسنفكك شفيراتها وسنصبح جسدًا واحدا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

فكونوا على يقين من ذلك، كونوا مؤمنين بقضايانا، فلن يحك جلدنا مثل ظفرنا فسنتولى نحن جميع أمورنا.

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

كلمات البحث