وسط أمواج التطرف ونشاط الجماعات الإرهابيَّة على أرض الفيروز، وقف البطل العقيد محمد هارون لقائده الأعلى الرئيس السيسي ليقول له (سيناء اتباعت واحنا اشتريناها بدمائنا يا ريس)، ويترك الرجل وصيته استعدادًا للشهادة بعدما لُقب بصائد التكفيريين، ليرحل للجنة في ١٣ فبراير ٢٠١٥، وتعود قصته لتحكي مجددًا.. وليبقى الأثر.
وبالأمس القريب ونحن نحتفل بيوم الشهيد ٩ مارس اعترافًا بجميل وفضل شهدائنا الأبرار، وهو ذكرى استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة في عام 1969، الذي غادر مكاتب القيادة إلى ميدان الشهادة، ليسجله التاريخ كأكبر قائد عسكري يسقط في ميدان المعركة بين جنوده، وصدق توفيق الحكيم عندما قال: رُبَّ شهيد مجيد له من التأثير والنفوذ في ضمير الشعوب ما ليس للملوك.
وخلال الندوة التثقيفيَّة ٣٩ للقوات المسلحة عرضت إدارة الشئون المعنويَّة بمجهود يذكر فيشكر، العديد من قصص الأبطال الذين كانوا لأسرهم زهور الحياة ورحيقها حتى امتزج دمهم بتراب الوطن، فإذا بصرح شامخ من أجسادهم الطاهرة يقف في مهابة وإجلال على أبواب الوطن، ليحميه من سُرَّاق الأمن والأمان.
ومع الشهيد تتوقف عند فلسفة مهمة، وهي أنك تجد الناس تتثاقل في إنفاق الأموال، ويبخلون في بذل المجهود للغير إذا كان بلا عائد نفعي لهم، ويسعون لتأمين حياة أولادهم على قدر المستطاع، ولكن أن يقف شخص ويضحي بأغلى ما يملك وهو روحه، تاركًا طفلًا يحتاجه، ووالدين هو عينهم على الحياة، وزوجة هو حلمها في مستقبل سعيد آمن، فهذا يجعل له منا دعاء وتحية تتجدد ما بقيت الحياة، فبكل قطرة دم سقى نخيل الوطن ارتفع شامخًا وهلت نسائم الأمان.
وتظل المرأة المصرية تعطي وتعطي وتعطي.. رغم الجرح النازف والألم الصامت، فقد رأينا خلال الندوة الرئيس السيسي يستمع بإنصات واهتمام لمطالب أهالي الشهداء، حتى تأتيه "الحاجة نجاح" أمُّ الشهيد البطل أسامة الشنواني، وتطلب منه أن يكمل ابنها الآخر مسيرة أخوه، في صفوف القوات المسلحة، تتحدث ودموعها تحجرت في عيونها ولم تسقط اعتزازًا بالوطن، رغم الحزن الشامخ، فتحية إجلال وإكرام لقلب فقد فلذة كبده، ولكنه لا يذكر إلا الله والوطن.
ولأنَّ الشهداء هم رموز العطاء وزاد الأحياء.. وندرك أنَّ الأمَّة التي تنسى مَنْ دافعوا عنها ستبقى يومًا ما في طي النسيان، فقد خطر ببالي، خلال الندوة الثقيفيَّة، أنَّه حان الوقت لإنشاء أكبر متحف للشهداء يضم صورهم وأبرز قصصهم وبعض مقتنياتهم إن وجدت، ويستخدم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا بأن يحكي كل شهيد بصورته وشبه صوته قصة استشهاده وبطولته ورسالته، ويمكن أن يشاهده طلاب المدارس فيما بعد من خلال حصص الكمبيوتر والتاريخ وغيرهما؛ حتى ننمي الولاء والانتماء لهذا البلد العظيم ونعطي شهداءنا حقوقهم.
فألف تحية لكلِّ روح شهيد كسرت قيود هدم الوطن واقتحمت حاجز الخوف، وقدَّم روحه لتحيا بلاده وجعل من عظامه جسرًا لنعبر إلى الاستقرار والأمان.