صوت أمريكا.. أُدين الإبادة وأدعمها

11-3-2024 | 13:25

مثلما يستيقظ العالم كل يوم وفي أي وقت على الانتهاكات الوحشية والمجازر التي تمارس من قبل الكيان المحتل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخصوصًا قطاع غزة بمحافظاته وأحيائه في الشمال والوسط والجنوب، خان يونس وبيت حانون وجباليا والنصيرات والشاطئ وصولا إلى رفح، استيقظ العالم أيضًا على انتهاك نوعي ووحشي جديد مارسه الاحتلال ببرودة الواثق من اللاعقاب واللا مساءلة، حين فتحت قواته المتمركزة في طريق ساحلي غرب غزة يسمى بشارع رشيد، النيران صوب آلاف من مواطني الشمال، الذين انفرجت أساريرهم لعلمهم بوصول المساعدات على مقربة منهم في الوقت الذي يحول فيه القصف المتواصل من وصولها، فاتجهوا لتسلم أكياس الطحين لا يحملون من الدنيا سوى أجسادهم وأياديهم، وبعد أن سمحت القوات المتمركزة لهم بالتحرك نحو المساعدات، فإذا بهم يفاجأون بأنهم وقعوا في كمين مُعد من قبل المجرمين الخبثاء، وإذا بوابل من الرصاص يُمطرون به في الصدور والرؤوس والظهور، وحتى الذين حاولوا الفرار تعقبهم المجرمون باستمرار الطلقات، لينتهي المشهد على مجزرة راح ضحيتها أكثر من مئة شهيد ونحو 800 مصاب.

هذه المجزرة التي أدانتها أغلب دول العالم شعوبًا وحكومات، وحتى الدول التي كانت ولم تزل تقف بانحياز رخيص داعمة للكيان المحتل مثل فرنسا وكندا، لم تشفع للحليف الشيطان الأكبر في واشنطن بإقرار الانتهاك والوحشية والإبادة، حيث اجتمع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد الحادث، وندد الأمين جوتيريش بمقتل وإصابة أشخاص خلال محاولة الحصول على مساعدات منقذة للحياة، ومع ذلك فشل مجلس الأمن في إقرار بيان رئاسي يعبّر فيه عن القلق العميق إزاء هذه المجزرة وتحميل قوات الاحتلال المسئولية في إطلاق النيران باتجاه الآلاف من المدنيين العُزّل، ولم يمر القرار الذي أيد نصه 14 عضوًا، وكما كان متوقعًا عارضته أمريكا، بل صوتت ضده لرفضها تحميل مسئولية ما جرى إلى الكيان المحتل، بل إن بايدن أثناء مغادرته البيت الأبيض لجولة يجريها وحين سُئل عن المجزرة قال: "إنه يتحقق من ذلك، وأن هناك روايتين متناقضتين لما حدث، وليس لديه إجابة"، ليكون هذا الجرم وردة الفعل حوله قراءة جديدة لمسار الحرب ورغبة واشنطن الواضحة في استمرارها مهما واجهت من ضغوط، فقبل هذا الحادث البشع بأيام قلائل، أقدم الجندي آرون بوشنل (25 عامًا)، وهو جندي في سلاح الجو الأمريكي متخصص في عمليات الدفاع الإلكتروني، على إشعال النيران في نفسه أمام مبنى السفارة الإسرائيلية بواشنطن وهو يصرخ قائلا: "الحرية لفلسطين"، وكان "بوشنل" مرتديًا لكامل زيه العسكرية وقبل أن يوقد النار في جسده ارتدى غطاء الرأس العسكري، وقد سجل كل ذلك في بث مباشر قال فيه إنه لا يمكنه أن يكون شريكًا في الإبادة الجماعية التي تحدث للفلسطينيين، وأنه سوف يقدم على عمل احتجاجي متطرف، لكنه بالمقارنة مع ما يواجهه المواطنون الفلسطينيون على أيدي الاحتلال الإسرائيلي، لا يمثل شيئًا، فالطبقة الأمريكية الحاكمة قررت أن يكون ذلك طبيعيًا، ليهتف والنار تلتهم ملابسه وتطاله قبل أن يرحل عن عالمنا: "فلسطين حرة"، وقد كتب "بوشنل" بحسابه على فيسبوك: "كثيرون منا يحبون أن يسألوا أنفسهم، ماذا كنت سأفعل لو كنت على قيد الحياة أثناء العبودية؟ أو في ظل نظام جيم كرو الجنوبي؟ أو الفصل العنصري؟ ماذا كنت سأفعل لو كان بلدي يرتكب إبادة جماعية؟ الجواب هو أنك تفعل ذلك الآن". 

وأعقب حادث بوشنل بيوم وقفة تظاهرية لطيارين في الجيش الأمريكي، قالوا فيها من خلال مكبرات الصوت: "إنهم يرسلوننا لتنفيذ أوامرهم، المجلسان التشريعي والتنفيذي هم من يرسلوننا لتنفيذ الأوامر، ويكسبون المال من ذلك، ويقتلوننا ويعودون هم إلى منازلهم، وبالكاد يدعموننا في صحة عقولنا، لذلك نرجو أن نتذكر ذلك اليوم، من الذي تظاهر لذلك الجندي؟ أنتم فعلتم ذلك لأن لديكم قلوبًا، والإنسانية في قلوبكم، ولابد أن تسود الإنسانية، ونحن نكرر ما قاله بوشنل: لن نكون متواطئين بعد الآن في الإبادة الجماعية"، وفي موقف مواز وقف مواطن ألماني شاب يصرخ في ميدان عام، قبل أن يقدم على تمزيق جواز سفره قائلا: اليوم أشعر بالخجل لكوني ألمانيًا، وقد قررت احتجاجًا على ما تتعرض له فلسطين من ظلم، أن أمزق هذا الجواز تمزيقًا مثلما يفعل الجيش الإسرائيلي بالمدنيين الفلسطينيين والأراضي الفلسطينية.

كما أغلق من قبل محتجون يرتدون الشال الفلسطيني ويحملون أعلام فلسطين، مداخل رئيسية لواشنطن مستلقين على الأرض في احتجاج واضح على ما يحدث في أرجاء غزة، وأيضًا أغلق محتجون على حرب الكيان الوحشية ضد قطاع غزة، المبنى الفيدرالي بمدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وأيضًا اعتصم محتجون داخل فندق إقامة الرئيس الأمريكي جو بايدن في سان فرانسيسكو متهمين له بالمشاركة في الإبادة الجماعية من قبل جيش الكيان المحتل، ونادوا عليه داخل بهو الفندق: أين أنت يا بايدن؟ لا يمكنك الاختباء، أوقفوا إطلاق النار الآن، أوقفوا الإبادة الجماعية، فضلا عن كثير من مسيرات وتظاهرات التضامن في شوارع أمريكا وواشنطن، والتي تندد بالدور الأمريكي في دعم الكيان المحتل بالأسلحة والدفع نحو إطالة أمد الحرب، متهمين بايدن بالتواطؤ مع الكيان وتجاهل مصالح الشعب الأمريكي، واحتجاجات أخرى أمام منزل وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، غير المشاهير من فنانين وأصحاب برامج ساخرة وضباط وجنود سابقين في الجيش الأمريكي، يشيرون إلى الدعم الأمريكي بالسلاح للكيان المحتل ومصدره أموال ضرائب المواطنين الأمريكيين. 

ناهيك عن عشرات ومئات الوقفات الاحتجاجية في دول العالم شرقًا وغربًا وهتافات الشعوب بإيقاف الحرب والإبادة، ليتضح أن الإدارة الأمريكية بكل بساطة تتجاهل كل ذلك ـ كما يقولون ـ بأذن من طين وأخرى من عجين، حتى لو خرجت مصادر رسمية ـ لذر الرماد في العيون ـ من قبيل ضرورة وقف المذابح ووصول المساعدات، والكارثة الإنسانية التي تواجهها غزة، إذ قال مركز السياسة الدولية الأمريكي إنه لا يمكن استمرار المذابح والتجويع في غزة، وعلى الولايات المتحدة تعليق صفقات الأسلحة لإسرائيل، بل إن وزير الدفاع الأمريكي نفسه قال سابقًا إن أكثر من 25 ألف امرأة وطفل قتلوا في غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، لكن مع كل اجتماع وكل مبادرة وكل وقفة وكل تنديد، وكل تصريح، كمتغيرات مستمرة على الأرض، يبقى الاستهداف والقصف بالقنابل والدبابات والأسلحة المحرمة مستمرًا تجاه أطفال ونساء وشباب غزة، وقد تجاوزت الحرب على مدار الساعة يومها المائة وخمسين، واقترب عدد الشهداء من الـ40 ألف شهيد، وأكثر من 70 ألف مصاب، ولا تزال أعداد الشهداء والمصابين في تزايد، فضلًا عن تضور الأطفال جوعًا حتى الموت، لحيلولة الحرب المستمرة والاستهداف دون وصول المساعدات والغذاء، حتى إن الأمم المتحدة قد حذرت من أن المجاعة "تكاد تكون حتمية". أي أنه في الوقت الذي ترفض فيه واشنطن ـ بالتصريحات ـ التصعيد العسكري في غزة، فإن سياستها ومواقفها تسمح للكيان المحتل باستخدام مزيد من القوة العسكرية في غزة، بل إنها تعرقل بمجلس الأمن التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار باستخدام حق النقض، وهي التي أرسلت السفينة "ماونت ويتني"، التابعة للأسطول السادس الأمريكي لتنضم إلى حاملتي الطائرات يو إس إس إيزنهاور، و"جيرالد فورد"، المرسلتين سابقًا إلى المنطقة، وأنظمة الدفاع الصاروخية، وبطاريات "باتريوت"، وقوة الرد السريع البحرية، فضلا عن نشر قوات خاصة أمريكية، والمجموعة القتالية سي إيه جي أو قوة دلتا، التي نُشرت صور لبايدن وهو يصافح أعضاءها، وعلى الرغم من الحديث حول أن إدارة بايدن منحت إسرائيل مهلة حتى منتصف مارس المقبل لتوقع على ضمانات للالتزام بالقانون الدولي أثناء استخدام الأسلحة الأمريكية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، غير أن الكولونيل براين ماكجاري المتحدث باسم دائرة الشرق الأوسط في البنتاجون، أكد أن "أمريكا لم تطلب من الكيان المحتل توقيعًا على أي ضمانات، وأن وجود شرط بالحصول على تعهدات من دول تشتري السلاح الأمريكي، أمر لا يقتصر على الكيان فقط، مؤكدًا أن مذكرة الأمن القومي التي صدرت ليست خاصة بإسرائيل". 

أي أن الخُلاصة في ضلوع أمريكا بهذه الإبادة الجماعية، والمشهد يحتاج إلى موقف آخر جديد من جميع المناهضين والمنددين بالحرب تجاه الجُرم الأمريكي في المقام الأول.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة