قرأت هذا الأسبوع متوالية قصصية بعنوان "يافطة دكتور".. في حقيقة الأمر استوقفني غلاف الكتاب قبل العنوان، وجدت فيه إعلانات وأسماء لأطباء ومعامل وعيادات ومستشارين... إلخ، ثم اطلعت عما بداخله من قصص وحكايات، لاسيما وإنني أعشق الموضوعات ذات الصلة بالأبعاد الاجتماعية، والقضايا ذات الموضوعات الهادفة والمعبرة، التي قدمها الكاتب الدكتور سامح فوزي بلغة سهلة وشيقة، تعكس واقع أحداث قد نكون عشناها أو شاهدناها من حولنا.
تتناول القصة الأولى الشاب يوسف الذي قرر المصير أن يلعب دوره معه ويعيش في بيت زجاجي لا يؤثر ولا يتأثر بأحد نتيجة التربية القوية والمغلقة التي فرضت عليه من والديه، مر بانفعالات ومشاعر متباينة وحاول أن يقيم علاقات على كبر إلا أنه ومع مرور الوقت رأى أن البدايات كانت أفضل وأن حياة الوحدة والرتابة أفضل بكثير من معاشرة أفراد قد تختلف طبائعهم ومستوياتهم فيصيب بمكروه أو أذى، قصة مثيرة للجدل لأن مؤلف الرواية عرض الصراعات النفسية والأزمات الداخلية التي عاشها بطل الرواية، نتعاطف معه احيانًا ونختلف معه في أحيانًا كثيرة إلا أنها في نهاية المطاف نموذج لأفراد يعيشون معنا في مجتمع واحد.
تناولت القصة الثانية من الكتاب رواية حزينة ومؤلمة عاشها بطل الحكاية الذي عانى من الظلم والاستغلال فقد لجأ إلى كثير من المحامين ورجاء القضاء لحل مشكلته التي لا دخل له بها من قريب ولا بعيد، بل تم تزوير أوراق القضية وعاش حياة بائسة حزينة بعد أن كانت مستقرة وهادئة، فقد كان يعمل في أحد البنوك الكبرى ويعتلي أعلى المناصب بها إلا أن القدر أوقعه في مشكلة كبيرة لا حيلة له فيها، وبمحض الصدفة وعن طريق أحد عملاء البنك الكبار استطاع أن يمد له يد العون والمساعدة وأن يخرجه من القضية الملفقة له بعد أن عاش أيامًا وليالي طوالًا بحسرة وألم وعذاب التفكير.
وفى القصة الثالثة يعكس المؤلف معاناة شاب من طبقة عليا ورث عن أبيه الكثير من الأموال وترك أمه وأهل بيته وقرر الانعزال والوحدة وفضل حياة البعد عن الأهل، وعن الحياة الاجتماعية السوية، الغريب في الحكاية أنه رغم تمتعه بجمال الشكل والهيئة ورغم قدرته المادية على الزواج كان في كل مرة يفكر في الارتباط تنتهي الحكاية بالفشل، وصل الأمر إلى أنه كان يشتري شبكة الخطوبة لإثبات جديته ولتأكيد حسن نيته للطرف الآخر، إلا أنها كلها كانت محاولات تنتهي بالفشل وعدم الاستمرار دون وجود سبب واضح ومحدد، وعن طريق الصدفة عرف من محام يعمل معه أن يذهب لطبيب نفسي لعرض مشاكله عليه ولمنحه القدرة على التعامل مع البشر خاصة في ظل التعقيدات اليومية والضغوط اليومية التي نعيشها، فقرر الذهاب إلى طبيب نفسي للحديث عن مشكلاته، وتحليل الدوافع والأسباب التي بسببها لم يكمل أي مشروع للارتباط، وكذلك عزوفه عن الاتصال بوالدته وشقيقته، فقامت الطبيبة المعاجلة بطمئنته واستمعت إليه بكل تركيز وإنصات وأدركت بعد عدة جلسات أنه يعاني من بعض الاضطرابات نتيجة لوجود موروث سلبي عاش بداخله وحاولت بمنتهى الذكاء أن تضع له حلولا مناسبة لفك ألغاز العراقيل التي ذهب من أجلها للطبيب، وفي نهاية القصة وبعد أن أدرك المشكلة وتجاوزها عرض على الطبيبة ذاتها الزواج منها؛ لكي يثبت لها أنه تجاوز المحنة أو لرغبة منه في الارتباط بامرأة ذكية قادرة على حل مصاعب الحياة، إلا أنها اكتشفت أنها مجرد مناورة من ذاته العميقة، فواصلت كتابة ملاحظاتها في سجله المفتوح أمامها.
وتأتي القصة الرابعة من الكتاب لتعبر عن مدى الظلم الذي عاشته فاطمة بطلة الرواية مع زوجها الأناني البخيل العاجز عن أداء أدواره الأساسية في البيت، ولم يكتف بالوقوف عند هذا الحد، بل سعى إلى إشباع نزواته النسائية وعلاقاته غير الشرعية، ويمارس فيها أهواءه بعيدًا عن أي التزامات أو نفقات أو حساب، عملت زوجته له كمينًا محكمًا واستطاعت بمنتهى الدهاء إسقاطه ونجحت فاطمة في الطلاق من زوجها الدميم ذي الصفات الرديئة، وتبدأ حياتها من جديد وتعمل ليل نهار لسد حاجة أطفالها وتوفير حياة كريمة لهم، ويتوفى طليقها وتورث منه أموالًا مناصفة مع الزوجة الأولى، ثم يأتي إليها صاحب طليقها الأرمل ليطلب الزواج منها، وتبدأ معه رحلة جديدة من الأمل وحب الحياة.
ويختتم المؤلف متواليته القصصية بقصة حزينة ومؤثرة للغاية، فهي قصة ليست بجديدة ولم تنته عبر الأزمنة؛ لأنها ترصد نموذجًا لشخص موجود في جميع الهيئات ودوائر العمل العام والخاص، سابقًا وحاليًا ومستقبلا، وهو الشخص المتلون، يبدو كأنه ناعمًا ثم يتلون مثل الأفعى ليقضي على أركان الكيان ويحطم أي نجاح أو مكسب لشركته، فقد كان بطل القصة الأخيرة هو المدعو نادي خضر يتمتع بكل الصفات الدنية، وعدم الارتقاء لمستوى الأخلاق والقيم النبيلة، سعى داخل المؤسسة التي عمل بها كمدير مالي لتدمير كل ما فيها، قضى على الكيان المؤسسي للشركة وأطاح بأصحاب المكانة القوية بداخلها، وسعى إلى تكوين شبكة عنكبوتية من الضعفاء من صغار الموظفين تنقل له الأخبار وتنشر الشائعات والرسائل السامة والهدامة لكي يكون مالكًا لزمام الأمور، وصار الكل يسأله ويستشيره ويخضع لنفوذه، ولا يفعل شيء كبيرًا كان أو صغيرًا دون الرجوع إليه مستغلًا في ذلك حسن ظن رئيس مجلس الإدارة وكبر سنه لكي يحقق أهدافه الوضيعة ومآربه السامة الهدامة. ولكن إن كانت دولة الظلم ساعة فإن دولة العدل حتى قيام الساعة، فسرعان ما تبدلت أحواله وأتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد عٌزل من منصبه بشكل مهين ووضيع يتناسب مع حجم الأعمال الحقيرة التي قدمها خلال فترة عمله بعد أن تولى رئاسة مجلس إدارة المؤسسة شخص حكيم وواع وقادر على التعامل مع طبيعة وحجم العمل في الشركة التي ترأسها.
رواية شيقة ممتعة وهادفة تجد نفسك أحد أبطال حكاياتها أو عشت مع زملائك أو أقاربك وأصدقائك إحدى جولاتها، فقد قدم الكاتب البارع الدكتور سامح فوزي بطريقة السهل الممتنع وجبة اجتماعية دسمة مغلفة بالرسائل الجادة والمضامين الهادفة التي يجعلك وأنت تقرأها متعلقًا بها إلى أن تصل إلى نهاية آخر قصة في هذه المتوالية القصصية "يافطة دكتور".
كل التقدير والتحية لدار العربي للنشر والتوزيع لتقديم الكتاب بصورته القيمة، وأخص بالشكر مصمم الغلاف الذي جعل من الكتاب محط أنظار من تقع عيناه عليه، والشكر موصول للدكتور سامح فوزي الذي يضيف إلى أعماله الأدبية ورواياته عملاً قصصيًا جديدًا يستحق الإشادة والتقدير.
* كبير اتصالات ومراسم – قطاع العلاقات الخارجية والمراسم - مكتبة الإسكندرية