ما أن يحل علينا شهر مارس من كل عام، حتى تتأهب مصر جميعها بمدنها وقراها وميادينها ونصبها التذكاري في كل مكان، تتأهب وتستعد للاحتفال بيوم الشهداء، فما أن يأتي الثامن من مارس إلا ونتذكر بطلنا وفارسنا المغوار الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض الذي استشهد في هذا اليوم فصار أيقونة نصر مبين مؤزر.
ليس عبدالمنعم رياض فقط، بل كل رياحين الشهداء الذين ارتقوا من جيشنا الباسل أو من شرطتنا الذين هبوا هبة رجل واحد واقفين متخندقين في خندق واحد متراصين ضد كل من تسول له نفسه الكيد لنا ولأمننا.
فلله در قادتنا، لله در رئيسنا الإنسان، لله در شهدائنا وأزواجهم وأمهاتهم وآبائهم وأبنائهم الصابرين المحتسبين الفرحين بذويهم، وأنهم نالوا هذا الشرف العظيم، فالشهادة في سبيله اصطفاء.
ومن باب التكريم تقوم الدولة بتكريم هؤلاء الشهداء، وهذا قليل من كثير مما يستحقونه.
ومن مظاهر هذه التكريمات إقامة احتفالية كبرى يحضرها فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، إجلالًا واحترامًا وتقديرًا لما قدمه هؤلاء الأبطال لوطنهم، كل في مكانه وموقعه، لم يدخر جهدًا لنصرة بلده والذود والدفاع عنها ضد المعتدين؛ سواء المعتدي الخارجي الذي يحاول بشتى الطرق أن يقتحم الحدود، وهيهات هيهات أن يفلحوا في ذلك، فهناك جنود مرابطون كالصقور لا يضرهم برد شتاء ولا قيظ صيف، دعاؤهم وتضرعهم إلى الله تعالى أن يحفظ بلادهم ولو كلفهم ذلك دماءهم.
وضد من يحاول زعزعة أمننا وسلامنا الداخلي وزعزعة الأمن القومي للبلاد بإثارة الفتن والوقيعة بين الناس، وتشكيك الشعب في قيادته الحكيمة الرشيدة فيتصدى لهؤلاء وأمثالهم الأبطال الشجعان، فيقوم هؤلاء المعتدين بالداخل بالكيد لهم بليل بهيم خسيس فيتربصون بهم ممعنين فيهم القتل، نعم هؤلاء هم الشهداء الذي قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم.
من مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد ومن مات مدافعًا عن أرضه فهو شهيد ومن مات مدافعًا عن مقدسات بلاده فهو شهيد.
لذا كان لزامًا علينا جميعًا أن نجلهم ونقدرهم ونقدر ذويهم ونكرمهم، وهذا حق أصيل لهم في رقابنا.
نعم أيها الأبطال لكم في قلوبنا مكانة كبيرة عبرت عنها قيادتنا أروع تعبير في احتفالية يشهدها العالم وتبثها كل القنوات الفضائية والأرضية وتكتب عنها المقالات، لنقول للعالم أجمع إنها مصر رمانة ميزان الأمة العربية التي لا تنسى شهداءها الرجال الذين خرجوا جهادًا في سبيل الله حماية لحدودها وسدودها.
إنها مصر التي تتعرض الآن لهجمة شرسة من أعداء النجاح المثبطين الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر متخذين بعض المشكلات ذريعة لإثارة الفتن، متخذين الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم أجمع ذريعة لنشر الفوضى في البلاد.
متخذين ما يحدث في غزة العزة الأبية ذريعة لإثارة الحمية والحماس في نفوس المواطنين، ولا يعلم هؤلاء وهؤلاء أن مصر لا أحد يزايد عليها وعلى دورها المحوري في التصدي والاهتمام بملف القضية الفلسطينية، ولا يعلمون ما فعلته ويفعله قادتنا من التصدي لمحاولات التهجير القسري للفلسطينيين وتوطينهم في سيناء محبطين كل المخططات الخارجية التي عينها علينا وعلى مقدراتنا.
وما تفعله مصر ومخابراتها العامة وكل أجهزتها من إيصال المعونات الإنسانية وآخرها ولن يكون الآخر عن طريق الإنزال الجوي.
من الذي يقوم بذلك إنهم أبطال معرضين في أي وقت للضرب والقصف والقتل، ولن يتأخروا عن واجبهم الوطني وواجبهم مع بني عروبتهم، وإذا ما قتلوا لا قدر الله فهم الشهداء.
ومن مظاهر تكريم هؤلاء الشهداء الاهتمام بأسرهم ورعايتهم رعاية كاملة سواء فى إلحاق أبنائهم بالكليات العسكرية والمعاهد، أو في المصايف والرحلات الترفيهية، أو حتى في المواصلات العامة والرعاية الاجتماعية الكاملة وتبني أبنائهم إلى أن يصيروا أبطالا مثل آبائهم، ليس هذا وحسب ورعاية آباء هؤلاء وأمهاتهم بمعاشات استثنائية ورعايتهم الرعاية الطبية الكاملة فى المستشفيات العسكرية، وهذا حق أصيل لهم، حقهم عند بلدهم التي لم يبخلوا عليها وقدموا أرواحهم بنفس راضية مطمئنة فداء لأمنها وسلامتها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا سمي الشهيد بهذا الاسم، سمي شهيدًا لأنه حي فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة، ولأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، ولأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة، فهؤلاء شهداء الله في الأرض، وأن لهم المكانة العظيمة عند الله تعالى، فثم تكريم آخر خلاف تكريماتنا الثانوية، أما التكريم الأولي المطلق فتكريم الله تعالى لهؤلاء، وقد أبانه الله تعالى في قرآن يتلى إلى يوم القيامة: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، فرحين بما آتاهم الله من فضله منعمين في جنات النعيم، ليس هذا وحسب، بل وشفاعة الشهيد في سبعين من أهل بيته، تغبطهم الملائكة مما يشاهدونه من منازلهم في الجنة، فيقولون من هؤلاء يا رب فيقول لهم الله هؤلاء شهدائي فى الدنيا إني اصطفيتهم من بين العباد.
ليس هذا فحسب، بل والأعظم عندما يرى الشهيد منزلته في الجنة يتمنى من الله أن يعود إلى الدنيا فيقتل في سبيل الله مرات ومرات ومرات.
والرأي عندي فإنه على الرغم من كل هذا التكريم المستحق إلا أن مسألة الاحتفال بالشهداء في يوم بعينه محمود ومن الفضائل، لكن ينبغي علينا ألا يكون احتفالنا بهؤلاء الشهداء في يوم واحد، بل في جميع أيام العمر نتذكر ما فعلوه ونتدارس سيرهم ونترحم عليهم ونبر أبناءهم وأزواجهم وآباءهم وأمهاتهم إكرامًا لهم وتكريمًا.
حفظ الله مصرنا الحبيبة الغالية على قلوبنا جميعًا وحفظ قادتنا وحفظ جيشنا البطل وشرطتنا وكل قادتنا وكل من يقول كلمة حق في حق هذا الوطن الذي يسعى قادته ولا يألون جهدًا في النهوض به من خلال تنمية مستدامة وتحقيق نهضة شاملة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والفنية والعسكرية.
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.