اغضب فلن أجيب بالتحدي لن أجيب.. فـأنــت طـفــل عــابــث يــمــلأه الـــغـــرور.. وكـيــف مـــن صـغـارهـا تـنـتــقــم الــطــيـــور..
هل كان يدري الموسيقار حلمي بكر، رحمة الله عليه، وهو يلحن قصيدة نزار قباني "اغضب" للمطربة أصالة أنها يومًا سوف تصف واقعه المرير؟ لقد تخرج هذا العبقري من معهد الموسيقى، ولكن بعد تخرجه عمل مدرسًا للموسيقى في أحد المدارس الحكومية، ثم التحق بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، وآنذاك أقيم حفل غنائي وقابل فيه الست وردة الجزائرية، وعرض عليها ألحانه وأعجبها، وأخذت بيده لتصعد به على منبر الفن والإبداع، وقام بتلحين أكثر من 1500 معزوفة على مدار تاريخه لكبار النجوم والمطربين، ولم يقتصر فقط على الأغاني الفردية، بل قدم حوالي 48 مسرحية غنائية وتترات مسلسلات إذاعية وتليفزيونية، ومن أهم المسرحيات "سيدتي الجميلة" لشويكار وفؤاد المهندس.
والحقيقة أنه كان ضعيفًا أمام جمال النساء، ومن هنا تعددت زيجاته حتى وصل عددها لأكثر من 13 زيجة، بداية من الفنانة سهير رمزي، وصولا إلى سماح القرشي أم ابنته الصغيرة، فعلى الرغم من تعدد الزيجات إلا أنه لم ينجب سوى ولد يدعى "هشام" من زوجته الثانية "شاهيناز" أخت الفنانة شويكار، وعاشا في أمريكا بعد الانفصال، وابنة ذات الثمانية أعوام تسمى "ريهام ".
كان "حلمي" ممتلئًا بذاته إلى حد الغرور، أولًا لأنه نتاج جيل العظماء، فقد لحن لـكل من "ليلى مراد ووردة ونجاة"، ثانيًا لأنه يمتلك موهبة ثقيلة القيمة عالية القامة، وكان لسانه حادًا لا يخشى أحدًا، فلم يسلم منه فنان، فعلى الرغم من شعبية عمرو دياب وجمهوره العريض، إلا أنه كان يقول إنه ليس مطربًا، وإنما "مغنواتي" على حد تعبيره، بينما مدح في صوت تامر حسني، وقال إنه "طربي"، مما أغضب جمهور عمرو.
وانتقد بشدة وجود المطربة أحلام في برامج اكتشاف المواهب، وقال إنها ليست أكاديمية ولا تصلح لهذا الدور، وكذلك المطربة إليسا الذي قال عنها إن صوتها حلو داخل الاستديوهات، إنما لما بتغني لايف يصبح صوتها نشازًا.. وغيرهم الكثير.
وكان هو أيضًا يتعرض للكثير من الانتقادات بسبب "لسانه" تارة، وبسبب تعدد زيجاته تارة أخرى، وخصوصًا أنه مؤخرًا كان يميل إلى الارتباط بزوجة تصغره بـ 30 عامًا على أقل تقدير، ولكنه لم يهتم مطلقًا بكلام الناس، وكان يمرره من فوق رأسه وكأنه طيارة ورق لن تعبث بثباته وقراراته.. على طريقة "أنت حر ما لم تضر".
بل كان يرد دائمًا بأنه لا يفعل ما يخجله، فهو يرتبط على سنة الله ورسوله، وهذا أفضل كثيرًا من أن يعيش حياة النزوات والعربدة.
ومؤخرًا قرر العودة مرة أخرى لأم ابنته حتى يقوم على تربيتها بين أحضانه وتحت رعايته، إلا أن القدر كان له أحكام أخرى، فقد اعترض جسده ذا الـ 86 عامًا وأعلن العصيان عليه، وبدأت أمراض الشيخوخة، التي لم يعترف بها يومًا ولم يعرها اهتمامًا، تهاجمه من حيث لا يحتسب، وبعد معارك متقطعة بينه وبين تلك الأمراض تداعى جسده مستسلمًا إلى أن رقد بالمستشفى برفقة زوجته، ولكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قامت الدنيا من حوله كما لما يتركها يومًا، وتولدت صراعات غير مفهومة بين أهله وزوجته، وبعد أن صعدت روحه لخالقها ظل على سرير الموت دون دفن، نتاجًا للصراعات القائمة، فقد حصلت الزوجة على تصاريح الدفن، بينما رفضت أن تعطيها لأقاربه، وغضب الأقارب ومنعوها من إقامة مراسم الدفن إلى أن يحضر ابنه من الولايات المتحدة الأمريكية، وظل الوضع هكذا أكثر من 48 ساعة!!
والحقيقة أن ما حدث جاء صادمًا مخيبًا للإنسانية، فالجميع يعلم أن إكرام الميت دفنه، فلا قيمة لجسد بلا روح، وهكذا حرمة الموت، ولكن فيما يبدو أن الجميع غرقوا في غياهب الصراعات؛ سواء الشكلية أو المادية، ولم يفكر أحد في هذا الإنسان.
فما قيمة أي ثروة أو إرث أو حتى المظاهر الاجتماعية مقابل روح أُزهقت؟! ولماذا لم يتنازل أحد المتصارعين عن مآربه لأجل هذا الرجل، الذي غادر الحياة بما لها وما عليها، ولم يصطحب معه حفنة قروش؟! وكأن اللحن الأخير في حياة الموسيقار آثرت الحياة عزفه نشازًا.