«بوشنل» يكتب رسالته الجديدة

4-3-2024 | 11:18
الأهرام العربي نقلاً عن

«لن أكون متواطئا فى الإبادة الجماعية بعد الآن»، هكذا صرخ الشاب الأمريكى، آرون بوشنل، قبل أن يضرم النار فى جسده أمام السفارة الإسرائيلية بواشنطن، احتجاجًا على المجازر التي ترتكبها جماعة «المسألة اليهودية» في فلسطين.

بوشنل ابن ولاية تكساس كتب رسالة «حياة كبيرة»، وفى تكساس كل شيء يولد كبيرًا، فالولاية الغنية، التاسعة على مستوى الاقتصاد العالمي، كانت محط أنظار وسائل الإعلام العالمية خلال الأسابيع الماضية، عندما هدد حاكم الولاية جريج أبوت بالانفصال عن الولايات المتحدة، وتضامن معه 25 حاكمًا من حكام الولايات المتحدة الخمسين.

بوشنيل، ابن الخامسة والعشرين، المهندس الفنى في القوات الجوية الأمريكية، قرر ألا يستكمل رحلة الإبادات الجماعية، وقرر التخلي عن مسيرة أسلافه في ارتكابهم مرض الإبادة المزمن، كانت النار تشتعل في جسده الغض، بينما كانت ذاكرته تمتلئ بإبادة الهنود الحمر، والفيتناميين، والأفغان، والعراقيين، والفلسطينيين.

لعل وجه الفنانة التشكيلية العراقية الكبيرة ليلى العطار، خطر على باله في تلك اللحظات، عندما وجهت القوات الأمريكية عمدًا صاروخًا إلى منزلها فى بغداد لتسقط شهيدة عام 1993 م.

وكانت كل جريمتها أن رسمت صورة جانبية عملاقة للرئيس الأمريكى جورج بوش الأب على الأرض، وضعتها تحت أقدام المارة أمام فندق الرشيد بالعاصمة العراقية بغداد، فكان الانتقام المروع، وكأن أمريكا تحترم حرية التعبير بالفعل!

لعل بوشنل تذكر صاروخ كروز، الموجه إلى ملجأ العامرية ببغداد، وكان يلجأ إليه نساء وشيوخ وأطفال، احتماء من وابل الصواريخ على السكان، وكانت أمريكا تعرف بأعينها الثاقبة هوية الموجودين في الملجأ، لكنها قررت ألا ينجو أحد، كانت «رحيمة»، شيعتهم جميعًا ملتصقين معًا.

بوشنل استعاد شريط الذكريات الدامية، أعاد ذكرى راشيل كوري، الفتاة الأمريكية ذات الثلاثة وعشرين عامًا، الفتاة الشجاعة التي وقفت يوم 16 مارس 2003، أمام جرافة إسرائيلية، أثناء اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كانت الجرافة تقوم بهدم منزل مواطن فلسطينى، وبرغم معرفة الجندي بهوية الفتاة الأمريكية، فإن هذا الجندي القاتل لم يهتم، وقام بدهسها مرتين أمام أنظار وسائل الإعلام العالمية، الكاميرات صورت المشهد الدامي، وشهد المراسلون الصحفيون أن الجندي الإسرائيلي تعمد قتل راشيل الشابة الأمريكة الطيبة.

راشيل وبوشنل، رسالة عميقة للضمير الإنسانى، وإلى مجلس الأمن الدولي، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، ومنظمات حقوقية، لا تلعب أدوارًا إنسانية، ولا تجد نفسها إلا في طليعة صناعة الفوضى الخلاقة.

أما أمريكا، الشركة العملاقة، الطامعة في الأمم والشعوب، والحالمة بإقامة «الأوراسيا الأمريكية الجديدة»، فلا تهتم بأبنائها أو تدافع عنهم، أو تقتص من قاتليهم، مادام الفاعل إسرائيل، فقد تعمدت نسيان مقتل 34 مواطنًا أمريكيًا على متن السفينة ليبرتي عام 1967، وكانت ليبرتي تتجسس على عمليات القتال أثناء العدوان الإسرائيلي، لكن إسرائيل تعمدت إخفاء أدلة الغدر، وقامت بمهاجمة السفينة عمدًا، وكانت تعلم الهوية الحقيقية للسفينة، ولا تزال تلك القصة الغامضة مسكوتًا عنها في ملفات الأجهزة الأمريكية.

رسالة بوشنل، وصلت إلى جماعة الإيمان بـ«أمريكا فوق الجميع»، الآن أفرغ بوشنل صندوق بريده مرة واحدة وإلى الأبد، اختار المكان والزمان، كتب الفصل الأول من رواية أمريكية طويلة، لجيل يحاول الخلاص من مرض الإبادات المزمن.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة