زاد الحب والحنين

3-3-2024 | 16:15

أيام قليلة.. ويهل علينا شهر رمضان المعظم بما يحمله للمسلم من روحانيات ونفحات إيمانية تغلف قلوب المسلمين في كل أنحاء الدنيا.

ونحن على أبواب استقبال الشهر الكريم لا أعرف سببًا محددًا لاسترجاع كل ذكريات الأيام القليلة التي كانت تسبق قدوم شهر رمضان في منزلنا البسيط مع أبي رحمة الله عليه رحمة واسعة.. أربعة عشر عامًا مرت على رحيل أبي لم يغب عن قلبي ولا عقلي لحظة واحدة.. أبدًا لم يغيب عن إحساسي بأيامي التي أعيشها معه رغم رحيله عن دنيانا منذ أربعة عشر عامًا.. لا زال موجودًا بين ضلوعي وفي حركاتي وسكناتي.. لكني وبكل صدق لا أعرف سبب السر وراء تقلب ذكريات وحنين الأيام الجميلة التي كنا نعيشها مع والدي رحمه الله استعدادًا لاستقبال الشهر الكريم.. أيام بسطة في تفاصيلها إلا أنها جميلة في معانيها..

تفاصيل تحمل كل المعاني الرائعة للحب والمودة.. التراحم والرحمة بين أفراد الأسرة المصرية.. تلك التفاصيل رغم بساطتها، لكنها كانت شديدة التأثير في نفوس وعقول كل أبناء الأسرة.. كان أبي، رحمه الله، عندما نتخطى النصف من شهر شعبان يبدأ في تجهيزات شهر رمضان المعظم.. 

وأول شيء يفعله يتواصل مع جميع أفراد الأسرة، يسأل كلًا منهم عن احتياجاتهم للشهر الكريم..  هذه تقول لا أريد قمر الدين لا أحبه، ممكن بدلا منه زيادة في جوزة الهند.. وتلك تؤكد أنها ليست بحاجة إلى الزبيب، لكنها تريد بدلا منه زيادة في المكسرات.. كل منهم يضع شروط طلباته واحتياجاته وفق رغباته وما يحب وما لا يحب.. 

أيام في نقاش مع هذا وذاك حتى يستقر الجميع ويقدم كشف طلباته، ويستجيب أبي لرغبات الجميع ليسعدهم جميعًا مع قدوم الشهر الكريم.. لم يكن يكتفي أبي في تلك الرغبات والطلبات على أبنائه، لكنها كانت تمتد إلى الكثير من الأهل والأقارب.. 

كنا نجلس معه نشاركه رغبته فى إسعاد كل من حوله من الأقربين.. لأنه كان يؤمن بكل الثقة والحب في قوله سبحانه وتعالى: وقال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) سورة البقرة آية 180.. وقوله تعالى: (قُلْ  مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)البقرة 215.

ولم يكن أبي رحمه الله يكتفي بالأقربين.. لكنه كان يعمل على أن يكون السند للجيران والمعارف والأصدقاء.. كانت سيرته عطرة بين الناس.. وأعترف أني كنت ولا زلت أعيش على سيرة أبي العطرة الطيبة بين الناس في الحي الشعبي البسيط الذي لا زلت أعيش فيه وأرفض رفضًا قاطعًا الرحيل عنه؛ لأن فيه رائحة وروايح أبي الجميلة والرائعة بين الناس من حولي.. كل يوم يمر عليَّ أشعر بالحب والحنين إلى زاد أبي الذي كان ولا زال يعينني على مصاعب الحياة.. 

وفى هذا أقول لكم بروا والديكم فى حياتهم بحسن الخلق والمعاملة والكلمة الطيبة؛ طاعة لقوله تعالى: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا" سورة النساء 36، وقوله تعالى: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" سورة  الإسراء 23.. ولا تكتفوا ببر والديكم فى حياتهم، عليكم برهم بعد رحيلهم بالصدقات والدعاء لهم مع كل صلاة.. والإحسان والمعاملة والكلمة الطيبة لكل من كان والديكم يحسنون إليهم ويحبونهم.. 

بهذا يستمر معكم زاد الحب والحنين الذي لا ينطفئ مع مرور الأيام.. ويستمر معكم الإحساس بوجود والديكم معكم دائمًا واستمرار رضاهم عليكم حتى بعد رحيلهم عن الحياة.. 

اللهم بلغنا رمضان وارزقنا فيه الرحمة والمغفرة والعتق من النار.. وكل عام وأنتم بخير وصحة وسعادة.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: