مع قرب رمضان.. أثر الصيام في تربية وحفظ النفس والصحة

29-2-2024 | 18:43
مع قرب رمضان أثر الصيام في تربية وحفظ النفس والصحة  شهر رمضان
إيمان البدري

أيام معدودة تفصلنا عن قدوم شهر رمضان المعظم الذي تسمو فيه الروح مع الصوم وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة، وعبادة من عباداته الأساسية، ووفقا لرجال الدين أكدوا أن العبادات في الإسلام شرعت لتهذيب الأنفس وتربيتها على الطاعة والاستقامة، وجلب المصالح لها، ودفع المفاسد عنها، وفي ذلك كله حفظ لها في العاجل والآجل، وصيانة لها في المعاش والمعاد، وفي الحال والمآل، والصوم واحد من العبادات يحصل به حفظ الأنفس فيما ذكر، حفظا صحيا وحفظا معنويا.

موضوعات مقترحة

الصيام يحفظ النفس حفاظا صحيا ومعنويا  

يقول الدكتور أشرف الفيل من علماء الأزهر الشريف، إن الصوم من المقومات الأساسية للنفس، ولا تحفظ النفس حفظا تاما إلا بحفظ هذه المقومات حفظا تاما، وبما أن الصوم  تحفظ به النفس، وحفظه إياها يتم على نوعين منها: حفظ صحي، وحفظ معنوي.

الدكتور أشرف الفيل

ومن أثر الصوم في حفظ النفس حفظا صحيا، أن للصوم أثرا بالغا في حفظ مقومات النفس الثلاثة، عن طريق حفظ صحتها، ودفع مضرتها، وما يجلب مرضها، ويؤكد ذلك عموم قوله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون)، فقد أثبتت الآية خيرية الصيام، وعموم هذه الخيرية، ومن مظاهر هذه الخيرية، أن الصوم له أثر في حفظ البدن وصحته وسلامته من الأمراض، وحفظ قوته ونشاطه، وحفظ جوارحه وأعضائه لتقوم بوظائفها، والصوم يحقق هذا الحفظ كله، وقد دل على ذلك الشرع والعادة.

حيث أكد الشرع من خلال أدلته على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صوموا تصحوا"، فهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بأن الصوم يحفظ للصائم صحته، ويردها إليه إذا أضعفها المرض، ومن الأدلة على ذلك أيضا قول سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم له: "فصم صوم داود عليه السلام، كان يصوم يوما، ويفطر يوما، ولايفر إذا لاقى"ّ، ومعنى "ولا يفر إذا لاقى" أي أن داود عليه السلام لم يكن صيامه هذا يضعفه عن القتال وملاقاة العدو، وفيه إشارة إلى أن صومه كان يقويه على ذلك، لأن المعهود في الذي يخشى ساحة القتال أنه يقاتل بقوة وصحة بدن.

ومن أهم الأدلة أيضا قوله صلى الله عليه وسلم "لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم"، حيث إن الزكاة فيها تطهير للمزكي  لقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، فجعل الصوم زكاة للجسد فيه دلالة على أن الصوم يطهر الصائم طهارة حسية ومعنوية، وأظهر ما في طهارته الحسية: صيانة بدنه وحفظه من الأمراض، هذه هي الأدلة الشرعية .

أما أدلة العادة، فقد دلت التجربة والمشاهدة على أن الصوم نافع للبدن، وحافظ لصحته، وباعث على قوته، وأن التخمة وكثرة الأكل مفسدة له ومجلبة للأمراض والأسقام، حيث إن "المعدة بيت الداء، والحمية دواء لكل داء"، والصوم نوع من الحمية، وإن كان صوم الحمية قد يطلق على مجرد إقلال الطعام أو ترك بعض أنواعه، لكن الصوم الشرعي هو أفضل أنواع الصوم وأبلغها تأثيرا.

كيف ينتفع الجسم بالصوم؟

وفي سياق متصل يقول الدكتور أشرف الفيل، إن من مظاهر انتفاع البدن بالصوم وحفظ صحته به، أنه يغني المواد الدراسية في البدن، ولا سيما أبدان المكثرين من الأكل والمقلين من العمل، ويجفف الرطوبات الضارة، ويطهر الأمعاء والمعدة من السموم التي تحدثها البطنة، وينفع في أمراض الكبد والكلى وحصواتهما، وأمراض القلب والروماتيزم وغير ذلك.

كما أن الصوم يريح الجهاز الهضمي في مدة الصيام، والمعروف عن الجهاز الهضمي أنه يعمل بلا انقطاع، في استراحته بالصيام إمداد له بالقوة والنشاط، ودفع للعطب والاختلال عنه، وقد ثبت طبيا أن الإكثار من الأكل والمواظبة على الطعام بغير انتظام ولا مقادير محدودة، يضر الجسم، وتسبب له أمراضا عديدة، وقد راعى الشرع ذلك كله، ومن ذلك قوله عزوجل (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه".                        

الصيام لا يضعف البدن ولكن يفضل الاعتدال

ويتابع أن البعض يردد أن الإكثار من الصوم يضعف البدن ويضره الإكثار من الطعام، ولكن الجواب أن ذلك تمت مراعاته في الشرع، مقدر حق قدره، فقد أمر بالاعتدال في الصوم، وعدم جعله وسيلة للإضرار بالجسم والتفريط في الوظائف والحقوق الأخرى، كحق الأهل، وحق العمل، وحق الجسم، وغير ذلك من الحقوق، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر، وعن الوصال في الصيام، وقال لعبد الله بن عمرو بن العاص: "صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينيك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا". 

فوائد الصيام.. أهمها الفوائد النفسية

من جانبه يقول الدكتور علي مصطفى علي من علماء الأزهر الشريف إن الصيام في شهر رمضان المبارك هو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، ويقصد به الامتناع عن الطعام والشراب وأمور محددة من الفجر وحتى دخول وقت المغرب، ويشتمل شهر رمضان على العديد من الفوائد الجسدية والنفسية، وعلى الرغم من أن فوائد الصيام النفسية أقل شهرة من فوائد الصيام الجسدية إلا أنها ذات أهمية كبيرة.

الدكتور علي مصطفى علي

حيث يساعد الصيام في شهر رمضان من الناحية النفسية على تطوير وغرس مهارة ضبط النفس، ويعتبر مفهوم ضبط النفس من عوامل النجاح الأساسية على المدى الطويل، حيث إن الصيام أسلوب ديني تربوي عظيم، يتم من خلاله تربية النفس وتهذيبها، والارتقاء بها عن الشهوات، فيصبح الإنسان من خلاله قادراً على اكتساب عادات حميدة والتخلص من عادات سيئة، إذ يكون الصيام بمثابة دافع قوي للمسلم لمقاومة النفس ودفع الهوى.

ومن فوائد الصيام الروحانية، أن الصيام  يعتبر مدرسة إيمانية تزكي النفس وتمدها بالطاقة، ومن الأمثلة على فوائد الصيام الروحانية تقوية صلة الصائم بربه، من خلال الإقبال على طاعة الله والالتزام بفروضه، وزيادة التقوى، والامتناع عن الفواحش والخطايا الجسدية، والعقلية، والروحية، مع تصفية الروح، وجعل الإنسان حريصاً على فعل الخير والابتعاد عن الشر، مع الشعور بالاطمئنان والراحة النفسية، وذلك نتيجة فوائد الصيام الروحانية وتعبد الله واستشعار نعمة وفضله.

فوائد الصيام النفسية

 يقول الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، إن الصيام أحد أنواع ضبط النفس الذي يعتبر أحد جوانب الذكاء العاطفي، حيث يلعب دوراً مهماً في نجاح حياة الفرد، بما في ذلك اتخاذ القرارات الجيدة والسيطرة على ردود الأفعال، كما يساعد على تدريب الفرد على الصبر، ويعد الصبر من ركائز النجاح في جميع نواحي حياة الإنسان، وتحسين الحالة المزاجية وتعزيز الشعور بالإنجاز، وينتج ذلك من خلال إدراك الإنسان لقدرته القوية على على إنجاز مهمة صعبة، مما يؤدي بالتالي إلى زيادة تقدير الذات.

كما أن الصيام يساعد على  التقليل من التوتر والقلق، حيث إن من التأثيرات المباشرة للصيام على الدماغ هو إنتاج البروتينات التي تحاكي آثار الأدوية المضادة للاكتئاب، وبذلك تقلل من مستوى القلق والتوتر، وتزيد من مستوى السعادة والتفاؤل وحب الحياة، ومن الجدير بالذكر لجوء الأطباء النفسيين لاستخدام الصيام كوسيلة مساندة لعلاج بعض الاضطرابات النفسية في الوقت الحالي.

فضلا عن أن الصيام يساعد على زيادة النشاط واليقظة، فعند أكل الطعام يشعر الإنسان بالكسل والخمول العقلي، وذلك نتيجة تركيز تدفق الدم إلى الجهاز الهضمي، أما عند الصيام يحافظ الإنسان على يقظته ونشاطه العقلي، وتحسين الانتباه، مما  يحسن من قدرة الفرد على القيام بمهامه اليومية بدءاً من الأنشطة البسيطة مثل الاستيقاظ صباحاً، ومروراً بالمهارات المعقدة مثل القيادة وتحسين الذاكرة، حيث إن زيادة التركيز تزيد بالنهاية من قوة الذاكرة، وقد يستخدم الصيام كعلاج لضعف الذاكرة، وعدم القدرة على التركيز.

أيضا الصيام يساعد على تحسين نوعية النوم، التي تؤثر على الحالة المزاجية للشخص وجوانب صحية أخرى، لذا من المهم الحفاظ على أخذ قسط كاف من النوم، وكل ذلك يساعد في السيطرة والتحكم في الغضب، حيث لا يقتصر الصوم على الامتناع عن الطعام والشراب فقط، ولكنه يشمل أيضاً الامتناع عن إيذاء الآخرين جسدياً ولفظياً، مما يؤدي في النهاية إلى تعزيز الانضباط الشخصي وتحسين السلوك، وزيادة الشعور بالسلام والهدوء الداخليين.

فوائد الصيام متعددة

ويتابع الدكتور جمال فرويز، أن شهر رمضان يتميز بوجود الترابط الاجتماعي على المستوى العائلي والمجتمعي، وهذا يعود على الأفراد بالعديد من الفوائد، ومن فوائد الصيام الاجتماعية، المساواة بين الغني والفقير دون تمييز، حيث يصوم جميع المسلمين أغنياءً كانوا أو فقراء منذ طلوع الفجر وحتى المغيب.

كما يساهم الصيام في نزع الحقد والكراهية بين البشر، وذلك من خلال شعور الغني بمعاناة الفقير الذي لا يملك قوت يومه، مما يحثه على إخراج زكاة أمواله للفقراء ومساعدتهم، وتوحيد الأفراد وحل النزاعات، حيث يجتمع أفراد العائلة على مائدة الإفطار، كما يجتمع الأقارب والمعارف والأصدقاء في العزائم، فتزيل هذه التجمعات كل حقد وبغيضة في أنفس المسلمين، ويزيد من روابط المحبة بينهم، وتعاد صلة الأرحام، وكذلك يساعد في  التوقف عن إيذاء الآخرين، وهو ستر للإنسان من الكلام الفاحش والخصومات والنزاعات، كما أنه وسيلة لتعويد الإنسان على خُلق الحِلم.

ومن فوائد الصيام الجسدية، أن الصيام لا يسبب للبالغين الأصحاء ضعفاً جسدياً، بل على العكس له فوائد كثيرة للصحة والجسم، ومنها تعزيز مناعة الجسم، والمساهمة في الوقاية من بعض الأمراض، وتقليل خطر الإصابة بالأورام السرطانية، وعلاج السمنة المفرطة، أو التخلص من الوزن الزائد، وتعزيز تجديد الخلايا، وتأخير علامات الشيخوخة المبكرة، مع السيطرة على بعض الامراض، مثل ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع سكر الدم، وارتفاع الكوليسترول.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة