التحديات الحالية.. واستدعاء روح النصر

27-2-2024 | 16:17
الأهرام المسائي نقلاً عن

الدولة المصرية تمر بمرحلة فارقة لم تشهدها على مدار تاريخها الحديث، مثلها كمختلف بقاع الدنيا حاليًا، ولكن مصر وحدها تعاني تداعيات أحداث إقليمية تحوم من حولها وتؤجج الأوضاع داخل الدول الملاصقة لحدودها، إلى جانب صراعات لتكتلات عالمية تسعى للسيطرة على آليات السوق في الخارج بكل مدخلاتها ومخرجاتها، ما ترتب عليها متغيرات مستحدثة تزيد الأمور تعقيدًا في كل دول العالم.

بلا شك مصر تعيش حالة حرب حقيقية ليست بالطريقة التقليدية المتمثلة في المدافع والصواريخ ولكنها حرب ممنهجة من أشرس المعارك التي تخوضها الدولة لأنها ليست على جبهة واحدة، ولكن على عدة جبهات داخلية وخارجية ومتعددة الأسلحة اقتصادية وسياسية، والرئيس عبدالفتاح السيسي تحدث عن التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها مصر، والتوترات على الحدود مع ليبيا والسودان، وقطاع غزة، وتراجع إيرادات قناة السويس، بسبب التوترات في البحر الأحمر وهجمات الحوثيين في اليمن.

والحل لعبور الوطن هذه المرحلة الفارقة في تاريخه هو ضرورة استدعاء روح حرب أكتوبر المجيدة التي غيرت الواقع من الهزيمة إلى النصر والحزن إلى فرح والانكسار إلي الشموخ والكبرياء بسبب اصطفاف الجميع لمساندة قواته المسلحة ومؤسسات الدولة ودعم المجهود الحربى بكل السبل من خلال التطوع فى المستشفيات أو المساهمة بالنفس والمال حيث تبرع المصريون بكل غال وثمين دون كلل من أجل أن تعود القوات المسلحة سريعًا لمواجهة العدوان وتحرير الأرض.

لم يكن يعد هناك رفاهية للتواكل على الحكومة لتحل أو تنهي أزمة، ولكن نحن في حاجة ملحة لاستدعاء روح الفدائي أو المقاتل في نفس كل فرد من أفراد المجتمع، وأن يعلي الجميع من مصلحة الوطن فوق كل اعتبار لأننا باختصار نعيش معركة وجود والدولة وحدها لن تستطيع مواجهة هذه الحرب بدون ظهير شعبي ووطني حقيقي وتقديم التضحيات لمواجهة أي مؤامرة على هذا البلد الأمين.

وهذا لا يعني أن تتخلى أجهزة الدولة عن دورها الرقابي في ضبط الأسواق وملاحقة التجار الجشعين معدومي الضمير الذين يستغلون هذه الظروف لتحقيق مكاسب خيالية بدلا من التضحية وتغليب المصلحة العامة.

استقرار الأسعار وتوافر السلع هي قضية أمن قومي لمصر ولكل بلدان العالم، لذلك تظهر معادن الرجال وقت المحن والأزمات، وأنا أثق في وطنية وضمير كل تاجر ورجل أعمال في مصر ما يتطلب منهم مثلا المساهمة بالعمل على تخفيض الأسعار وتعزيز روح المشاركة المجتمعية وتقديم كافة الدعم لمؤسسات الدولة، وأن يكون المواطن جنبًا إلى جنب مع الدولة.

 فالجيل الحالي لا يقل وطنية عن أجداده الذين قدموا تضحيات كبيرة مثل بيع السلع بثمنها وعدم البحث عن أرباح كما قام رجال الأعمال بتقديم سياراتهم للقوات المسلحة خلال حرب أكتوبر 1973 لاستخدمها في نقل الجنود والأسلحة وكان يكتب على هذه السيارات "مجهود حربي".

ولم يقتصر الأمر عند الكبار وقتها فقط.. ولكن تم نشر روح التكاتف والوطنية والالتحام لدي طلاب المدارس حيث بادر عدد من طلاب المدارس بالقيام بعمل حصالة كُتب عليها "أدفع قرشا تساهم في تحقيق النصر"، يطوفون بها في شوارع القاهرة لجمع تبرعات المجهود الحربي كما جاءت تبرعات المصريين في الخارج بالكثير من العملة الصعبة وقتها فلم يقتصر التبرع للمجهود الحربي من الداخل فقط، فهناك نماذج عديدة لمشاركة المصريين في الخارج حيث قاموا بإرسال مساعداتهم.. فأين نحن من هؤلاء الآن؟

كما ظهر التضامن أيضًا في تحمل ظروف الحرب فلم يكن هناك شكوى من ندرة التيار الكهربائي، وأي نقص في الخدمات أو المواد التموينية علاوة على قيام الجميع بالعمل على ترشيد الاستهلاك.      

نعلم جيدا أنه في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التى يمر بها العالم، وكذلك مصر نرى انه يتم بذل جهودا كبيرة للتخفيف عن كاهل المصريين، غير أن مافيا البعض من التجار والمحتكرين يعملون على الحصول على المزيد من المكاسب المادية والشخصية على حساب المصلحة العامة.

ومما لا يستطيع أحد إنكاره أن هناك لوبي الآن يعمل على استهداف مصر بشكل مباشر خاصة أنها الدولة الوحيدة الواقفة على قدميها حتي الآن في المنطقة وتسير في مرحلة بناء ونمو ليس هدم وتراجع وترفض تنفيذ مخططات تصفية القضية الفلسطينية ورسم خريطة جديدة للمنطقة على حساب أرضها وأمنها القومي  علاوة على الحفاظ على ضبط الحدود مع قطاع غزة كل هذا يأتي في ظل عدوان غاشم خلال الفترة الماضية لإبادة الشعب الفلسطيني وصمت ودعم دولي، بالإضافة إلى متغيرات تمت في قضية الصراع العربي الإسرائيلي على مدار السنوات الخمس الماضية بعد تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل ووجود حكومة يمينية متطرفة ومتشددة بإسرائيل.

 انتصار الدولة المصرية في المعركة الحالية في ظل القضاء على دول أخرى يشابه انتصار أكتوبر العظيم الذي لم  يكن مجرد نصر عسكري أو سياسي ولكن كان انتصار فى مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة وتعنت من بعض دول الغرب والولايات المتحدة؛ مما يعني أن الشعب المصري نجح في فرض إرادته.

وإذا كان الجيش خلال حرب أكتوبر قد قدم نماذج مشرفة للمقاومة والصمود، فإن الشعب قدم نماذج مشرفة للمساندة والتلاحم؛ ومما يؤكد ذلك ما قاله الرئيس الراحل محمد أنور السادات "أن النصر لا يتحقق فقط على جبهات القتال، وإنما قبل ذلك يتحقق بوحدة الشعب وصموده ووعيه فى الجبهة الداخلية"، وهو مايؤكده الرئيس عبدالفتاح السيسي في كل خطاباته وهو أننا نواجه حرب وجود. 

ختامًا الأمر يتطلب منا جميعًا الوقوف في خندق واحد خلف الوطن، والاصطفاف وراء قياداته للانتصار من خلال استدعاء روح النصر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: