26-2-2024 | 17:24

إن حكمنا بما يجري أمامنا حاليًا ونراه رأي العين، فسنجزم بأن "دونالد ترامب" سيفوز، ربما باكتساح، بترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، وقد يفعلها ويعود رافعًا رايات النصر إلى البيت الأبيض، الذي غادره قبل أربع سنوات حكم فيها "جو بايدن"، الولايات المتحدة، ولم يكن عهده الأفضل في نظر كثير من الأمريكيين، ويتوقون لإحداث تغيير يعيد لبلادهم أمجادها الغابرة، وهيبتها التي يتجرأ عليها كل من هب ودب على الساحة الدولية.

يظهر "ترامب" في جنبات المشهد كأوفر حظًا مع ما يحققه من نجاحات متواصلة وتأييد جماهيري بالانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري، حتى إنه تفوق على غريمته "نيكي هايل"، في عقر دارها في ولاية "ساوث كارولاينا" التي كانت حاكمًا لها لستة أعوام، ويحثها أنصار الحزب على الانسحاب من السباق، خاصة أنها المتبقية من منافسي "ترامب" – ٧٧ عامًا – الذين سقطوا الواحد تلو الآخر ليتقدم الصفوف واعدًا الناخبين بإعادة أمريكا قوية، وتحظى بالاحترام والتوقير والهيبة، بعد تخليصها من "كابوس بايدن" الذي يسخر منه ومن طريقته في الكلام وحركاته في كل لقاءاته وتجمعاته الانتخابية.

أيهما سيكون الخيار الأمثل والموفق لبلاد "العم سام" ومستقبلها، فتلك مسألة سيحسمها الناخبون الأمريكيون وسنتركها لهم، فهم الأجدر بالبت فيها بصناديق الاقتراع سلبًا أو إيجابًا، لكن ما يدهشني حقًا وصدقًا، هو ذلك الميل المتنامي لنزعة التطرف والتمييز التي يجسدها "ترامب" في خطاباته ووعوده الانتخابية وتجنح لأقصي اليمين المتطرف، رغم أنهم –الأمريكيون– أكثر المتحدثين والمبشرين بالديمقراطية ورغد العيش في كنفها.

فالرجل أوضح ما يكون بإعلانه عداءه السافر للمهاجرين الذين يحملهم مسئولية العديد من مشكلات المجتمع الأمريكي، ومعهم بعض الأقليات بصورة تبرز إيمانه بالفكر العنصري باستعلاء وسيادة الرجل الأبيض على بقية الأجناس والأعراق، متغافلًا عن أن مجتمعه قام وتأسس على أرضية فتح أبوابه أمام الجميع دون تمييز وبأريحية متناهية.

فكيف يستقيم ذلك مع كونهم شاهدوا اعتداء "ترامب" وحواريه على الديمقراطية وقواعدها الراسخة ومؤسسات الدولة التي تتكفل بحماية الدستور والقانون وتردع كل مَن يقترب منهما بسوء، عندما حاصروا مبنى الكونجرس واقتحموه، لمنعه من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز "بايدن"، ولا يزال الملياردير الأمريكي تلاحقه الاتهامات الجنائية لدوره التحريضي في حدوثها، ووصفت حينها بأنها أسوأ ما مرت به الولايات المتحدة وديمقراطيتها التي بدت وكأنها جمهورية من جمهوريات "الموز"؟!

دوليًا كان لحضور "ترامب" سلبيات كثيرة وكارثية، منها تفضيله انكفاء أمريكا على الداخل، وتقليص تواجدها السياسي والعسكري خارج أراضيها، وعدم توافقه مع معظم قادة القارة الأوروبية، ومخاطبته إياهم بأسلوب لا يرضيهم ويثير امتعاضهم وحنقهم، كما منح إسرائيل هدية لا تقدر بثمن بنقله سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، ضاربًا بعرض الحائط كل المناشدات والدعوات للامتناع عن هذه الخطوة التي كانت طعنة نجلاء في ظهر عملية السلام بالشرق الأوسط، واللطيف أن نفس الشخص يعد الآن بإنهاء أزمات، كالحرب الروسية الأوكرانية، بإشارة من أصبعه وفي غضون ٢٤ ساعة من دخوله البيت الأبيض، لأنه يستطيع التأثير على حاكم الكرملين القوي الرئيس "فلاديمير بوتين"، الذي سبق له التصريح بأن استمرار "بايدن" -٨١ عامًا- بالسلطة يعد الأنسب لموسكو، نظرًا لسهولة توقع ردود أفعاله ومواقفه، فهو كالكتاب المفتوح في نظر الدب الروسي. 

في المقابل، فإن "بايدن" لم يقدم للشعب الأمريكي ما ينتظره منه اقتصاديًا وسياسيًا، ويزعجه أنه أضحى موضع سخرية دائمة، بسبب تصرفاته وتصريحاته الغريبة وزلات لسانه، ورغم ذلك، يريد الاستمرار واقتناص ولاية ثانية، مع أن تقارير رسمية شككت في أهليته للوفاء بمسئوليات وأعباء المنصب، ناهيك عن استياء الرأي العام الأمريكي واحتجاجاته على دعم إدارته اللامحدود لإسرائيل وحربها على قطاع غزة، وأحدث مظاهره كان إحراق جندي أمريكي نفسه خارج السفارة الإسرائيلية في واشنطن مرتديًا زيه العسكري، احتجاجًا على حربها الجائرة على غزة.

نحن إزاء مفارقة غريبة ومعادلة صعبة عند المفاضلة بين الرجلين، وليس سهلًا تخمين أي منهما  سترجح كفته في ميزان الانتخابات التي تحدث فيها مفاجآت باللحظات الأخيرة تقلب الموازين والتوقعات، لكنها أمريكا بلد العجائب والمفارقات. 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة