كل يومٍ تتأكد وتبرز في الأفق الزاهي، نتائج وثمار هذه المساعي الجادة والمثمرة للعلاقات المصرية العراقية، وخصوصًا خلال العشر سنوات المنقضية وحتى هذه اللحظة، حيث امتد هذا التطور الكبير في مستوى العلاقات ليتجاوز الأسس الراسخة في طبيعة العلاقة من حيث الهُوية والتاريخ، وصولا إلى التآخي والتفاعل المستمر، وتوحيد الجهود والأهداف نحو استعادة الريادة وتثبيت أركان الوطنية والديمقراطية، والأمن والسلام، ووضع جميع التحديات في بؤرة الاستهداف، منها الإيجابية كالتطلع المستمر إلى سباق الوقت نحو التنمية والبناء والعمل الدءوب المخطط له لبلوغ ذلك، ومنها التحديات السلبية التي سعت لأن تحول دون بلوغ تلك الأحلام ورغبة الشعبين في مستقبل زاهر، فما كان من البلدين العريقين سوى أن تصدتا بكل شجاعة لجميع التحديات المعرقلة وأبرزها الإرهاب والتطرف ومحاولات شق الصف، لتؤكدا معًا أن الهدف الأسمى هو الوجود العراقي والوجود المصري بمكوناتهما الحضارية والتاريخية والشعبية والجعرافية، بالصورة اللائقة بحضارتين قديمتين ودولتين رائدتين في المنطقة.
وفي هذا السياق الدال والموحي جاءت زيارة سماحة السيد عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة العراقي إلى مصر، ضمن سلسلة متصلة من الزيارات المتبادلة التي شهدها البلدان بين القادة والرموز والمسئولين، دعمًا لهذا المسار الذي تم ترسيخ مبادئه وخطواته الواثقة نحو عراق مستقر ومستقل وآمن، وعنوان للتنمية والتحضر والإنتاج، والوجود كقوة إقليمية ودولية لها شأنها وفق جميع المعطيات ما كان منها وماجد وما سوف يتحقق، أي من واقع التاريخ والحضارة والموقع، وصولاً للتأثير والإصرار على النجاح ورفع راية هذا الوطن خفاقة عالية، بجهود أبنائها من المخلصين الذي آلوا على أنفسهم أن يبذلوا كل غالٍ، ولا يدخروا جهدًا في سبيل دعم هذا الوطن الأبي الذي تغلب على جميع المشاق والصعوبات، والانحياز للنسيج الشعبي الواحد في حبه وإخلاصه وانتمائه للعراق العروبة والأمل، ومن هؤلاء عمار الحكيم، الذي استقبله الرئيس السيسي، كواحدٍ من هؤلاء الذين يخطون بخطى ثابتة نحو إعلاء راية العراق والتسامي فوق جميع معاني التفرقة وصورها، بلوغًا لصورة أكثر بلاغة وتأثيرًا للعراق المستقر أمنياً وسياسياً واقتصادياً، وله سيادته الحرة، عبر كل ما يحقق تلك الأماني الغالية من حوار وإنهاء لأي أزمات عالقة وقطع الطريق عليها، وصون العراق عن أي قرار خارجي، وضعه بمنأى عن أي صراعات إقليمية، وتجنيبه التحول إلى منصة اعتداء على أي من دول الجوار.
ولا عجب أن يكون الحكيم أحد رجالات العراق النابهين والمؤثرين في مساره السياسي المتزن وبناء العلاقات مع جميع الدول أي الانفتاح على الجميع من خلال مبدأ الاحترام المتبادل، والتعاون، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واعتماد الحوار سبيلاً أهم في التصدي لأي أزمات أو مشكلات، وأن تكون المصلحة الوطنية العراقية مقدمة على سواها، فالحكيم رئيس تيار الحكمة الوطنى الذى تأسس فى يوليو 2017 كانت لنشأته ومساره التعليمي وخبراته السياسية أثر كبير، في الدور الذي لعبه لإعلاء قيم التسامح والتعايش في العراق، عبر حنكة سياسية وثقافة لمستها بشكل مباشر في شخصه عبر لقاءاتنا أكثر من مرة، فلمحت هذا الذكاء وتلك الكاريزما والوعي كما تأكدت أنني أمام شخصية وطنية من طراز رفيع، وكاريزما واضحة استطاع بها أن يوحد جميع الطوائف بهدف إعلاء اسم العراق وشأنه ودفع قاطرة مستقبله..
وقد وُلد عمار الحكيم عام 1971 بمدينة النجف جنوب بغداد، والتحق بعد الثانوية بالجامعة الإسلامية بطهران، وحصل على شهادة القانون، ودرّس اللغة العربية وعلوم القرآن والمنطق والفلسفة والفقه، ويتقن اللغتين العربية والفارسية، وأشرف على إنشاء وإدارة العديد من المنظمات والمؤسسات العلمية والثقافية في منفاه، وأسس عام 2003 "مؤسسة الحكيم" التي حصلت على المركز الاستشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، وهي أكبر مؤسسة للمجتمع المدني في العراق الآن، وتعمل في مجال المساعدة الإنسانية، والتنمية، وحقوق الإنسان، والحوار بين الأديان، وتقيم العديد من الندوات والمؤتمرات والفعاليات الاجتماعية والثقافية، وتم اختياره ليكون نائبا لرئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عام 2007، ثم تولى رئاسة المجلس في 2009 بعد وفاة والده، ليشق عمار الحكيم حياة سياسية ويكون سياسيًا عراقيًا مخضرمًا، بعد أن قاد قائمة تحالف "كتلة المواطن ينتصر" التي حصدت 30 مقعدًا في انتخابات البرلمان 2014.\
ثم بعد ثلاث سنوات أعلن انسحابه من المجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي كان يرأسه، وشكل حزبًا جديدًا اسم "تيار الحكمة الوطني"، حيث حصل التيار في انتخابات العام التالي على 19 مقعدا في البرلمان، ثم في الأول من يوليو 2020، اعلن زعيم تيار الحكمة عن تشكيل تحالف سياسي جديد باسم "عراقيون"، لدعم مسار الدولة وتطبيق القانون، وإعادة الثقة بالنظام السياسي، وللحكيم مبادرات عدة مهمة سعى من خلالها إلى النهوض بالدولة، والاهتمام بجميع شرائح المجتمع مثل مبادرات "حقوق الطفل العراقي"، و" تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة، و"النهوض بواقع المحافظات"، ومشروع "بابل التاريخ العريق والوحدة الوطنية"، و"برنامج نهضوي لدعم المرأة" و"البصرة عاصمة العراق الاقتصادية"، و"بغداد 2020 عاصمة النهوض والأمل".
ورغم هذه الجهود الجادة إلا أنه لم ينسي أن يترك للمكتبة الوطنية مؤلفات وإصدارات مهمة تؤكد هذا التوجه الصادق تجاه دعم الدولة الوطنية ودعم وعي المجتمع العراقي منها "لمحات من سيرة عزيز العراق"، و"الشباب والدولة العصرية العادلة" و"خطاب الاعتدال والبناء" و"بناء الدولة وإدارتها"، و"كربلاء منهج وعطاء" و"كربلاء رسالة حياة" وغيرها، ليبلور السيد عمار الحكيم مفاهيم جديدة تنعكس على الشأن العراقي العام، بعد معاناة طويلة من الانقسام داخل النخب العراقية، مؤسسًا وداعيًا لنمط موضوعي وجاد من العلاقات القائمة على دعم فكرة الوطن، سواء في الداخل العراقي أو على مستوى العلاقات العراقية العربية والدولية، ومفككًا لجميع أشكال الطائفية الدينية أو المذهبية أو العرقية، وضد أي تدخل خارجي، ماضياً نحو هذا التطلع السامي لعراق متعدد ومتوائم المجتمعات، بعد أن دفعت بلاد الرافدين أثمانًا باهظةً بسبب الفُرقة.
ومن هنا جاءت هذه الزيارة الملهمة في توقيت مهم وله دلالته، حيث الاتساق مع تلك المسارات المضيئة، وقد أكد الرئيس السيسي باليقين الدال، دعم مصر الثابت والراسخ للعراق الشقيق، ومساندتها لجميع جهوده الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية، ليؤكد بدوره الحكيم الحكيم حقًا، اعتزازه بقوة وعمق العلاقات التاريخية بين مصر والعراق، بل ويشدد على محورية الدور المصري في حماية أمن واستقرار المنطقة العربية، مثمناً هذا الدعم للعراق، ومواقف مصر الصادقة في دعم جميع الدول العربية والإسلامية الشقيقة، ودائما ما يدعو الحكيم أبناء شعب العراق وشعوب الوطن إلى الاتفاق الراسخ على هوية وطنية جامعة، ودولة عصرية عادلة يحكمها عقد اجتماعي وسياسي جديد، يعالج تراكمات الماضي ويواكب تطورات الحاضر ويتطلع لمستقبل مستقل ومستقر ومزدهر.
هذا المستقبل الذي نطالع بوادره مع رجال العراق ومسئوليه الوطنيين الجادين، في دولة تنحاز للمجد وللقانون، وتبتعد عن الانعزالية، عبر عقل حواري تشاركي غير استئثاري، تجددت فيه آمال الرقي والقوة واستغلال الموارد وبناء الجيش، ووضع أسس الديمقراطية والحريات والعلم والثقافة والتقدم وسد جميع الفجوات المعرقلة، والانطلاق بقوة في جميع المجالات، بعد أن أفسدت المؤامرات التي تحاك ودحرت الإرهاب والشقاق، واستفاقت للبناء والتطلع لعناق المستقبل بخطى واثقة، فكانت اليد متماسكة من الداخل ومع الأشقاء.
وكانت مصر بتاريخها وخبرتها وحرص قيادتها السياسية ومسئوليها وحكومتها وشعبها على دعم خطى العراق الواثقة، فتأكد هذا التعاون البناء على الأصعدة كافة، اقتصاديًا، وفي مجال الطاقة والبنية التحتية، فأبرمت اتفاقيات التعاون في مجالات البترول والثروة المعدنية وغيرها، وتم توقيع مذكرات التفاهم للتعاون والتدريب وتبادل الخبرات في مجال العدل والقضاء، والموارد المائية والري، والطرق والجسور، والإسكان والتشييد، والاستثمار، وغيرها، لتؤكد الدولتان الحضاريتان التاريخيتان عزمهما الواثق والأكيد ويقينهما بقوة الترابط التي من شأنها أن تصنع المستحيل، بل ها هي الروابط الوثيقة تحول المستحيل إلى واقع ملموس لأبناء شعب العراق الذين ينكأون جراح الماضي ويقفون على تخوم الحاضر بأعناق تتطلع بثقة إلى المستقبل المضيء.