نخبة من الخبراء والعلماء والمسئولين ورجال الصناعة وأصحاب الأعمال، اكتظت بهم إحدى القاعات بالقاهرة الجديدة، للبحث عن حلول للطاقة اعتمادًا على الطاقة الجديدة والمتجددة، تحت عنوان: "طاقة الشمس في مصر: بين التحديات والفرص"، والمناسبة مرور 10 سنوات على نشاط إحدى الشركات الصينية العالمية المتخصصة في الطاقة الخضراء بالسوق المصرية، و20 عامًا في صناعة اللوحات الشمسية المعتمدة على خلايا السيليكون.
عدد من المفارقات تولدت حول الطاقة، الأولى، أن عدد الحاضرين تجاوز 200 مشارك من ممثلي الطاقة في الوزارات والمؤسسات، والقطاع المصرفي، والتعليم العالي، والقطاع الخاص، وممثلي عدد من الدول العربية التي تعمل بها الشركة، ولم يكن بين كل هؤلاء الحاضرون، أحد من الصين التي ابتدعت واخترعت وصنعت، وافتتحت فروعًا لها في مصر والعالم العربي.. فكل هؤلاء المجتمعون يعملون لصالح الشركة الصينية ومنتجاتها من الطاقة، فقد حضر كل هؤلاء باستثناء الصيني "صاحب الشركة"، الذي جلس هادئًا في بلده على بعد مئات الأميال من القاعة، التي تناقش تطور إنتاجها وحاضر ومستقبل صناعته.
المفارقة الثانية، أنه بالرغم من أن، هذا الصيني، الذي يفضل مصر باعتبارها أهم الأسواق العالمية والإقليمية الإفريقية للطاقة الشمسية، ولا يتردد عن تقديم الدعم التقني والاستشاري والصناعي لمصر، لتقفز المفارقة عندما نعلم أن حلول الطاقة الشمسية بدأت في مصر قبل كل بلاد العالم، بما فيها الصين، التي تأسست فيها الشركة عام 2005، وتعد اليوم واحدة من أكبر مصنعي ألواح الطاقة الشمسية في العالم، وتحتل المرتبة الأولى في مجال تكنولوجيا لوحات الطاقة الشمسية، ولكن الحضارة المصرية القديمة عرفت الطاقة الشمسية قبل أكثر من 4500 سنة، كما نشأت وولدت مشروعات الطاقة الشمسية في صحراء المعادي في مصر في العشرينيات من القرن الماضي.
المفارقة الثالثة، أنه بالرغم من تمتع سمائنا بعدد ساعات سطوع في اليوم ما بين 9 - 11 ساعة يوميًا، وتزيد معدلاتها على 3600 ساعة سنويًا، مقارنة بأوروبا بمتوسط سطوع هناك 2000 ساعة سنويًا، إلا أننا لا نرى لوحات السخانات الشمسية على أسطح المنازل، كما نراها منتشرة في أوروبا رغم ندرة الشمس هناك، وكأن حال الطاقة لدينا يقول: "خذوا الطاقة من أسطح الأوروبيين"، فمتى تصبح الألواح الشمسية إلزامية على أسطح المباني الجديدة في مصر، لكي تساهم في تحقيق المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، والتنمية المستدامة والتفاعل مع البعد البيئي وآثار التغيرات المناخية.
أما المفارقة الرابعة، فقد كشف خبراء من تونس، أن لديهم 3 مصانع لإنتاج الخلايا الشمسية، في حين أن لدينا مصنعًا واحدًا فقط، في الوقت الذي يتطلب فيه إنتاج الطاقة إلى التقنيات والمساحات من الأرض لإقامة المحطات وشبكات اللوحات، وطبقًا لـ"الأطلس الشمسي" الصادر عن هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، فإن مصر رصدت للأراضي المخصصة لمشروعات الطاقة المتجددة نحو 7600 كيلومتر مربع، وهذا ما يتوافر لدينا بشكل لافت.. فالسطوع، والتقنيات، والمساحات، فضلا عن حجم الطلب المتزايد.
منذ تأسيسها، حققت الشركة الصينية إنجازات غير مسبوقة في السوق المصرية، وترى أن مصر من أهم الأسواق الواعدة على مستوى العالم، وهي الثالثة إفريقيا بعد جنوب إفريقيا ونيجيريا.
ونتساءل: ماذا ينقص المستثمر ورجل الصناعة، والمسئول والمطور المصري، حتى تأخذ السوق المصرية مكانتها اللائقة بها تاريخًا وموردًا واستثمارًا، بعد أن بلغ نمو الطلب في السوق المحلية نسبة 300% العام الماضي، مقارنة بعام 2022.
لاشك أن هناك جانبًا آخر لحلول الطاقة الشمسية، من أهمها عمر المحطات الشمسية الذي لا يتجاوز 30 عامًا تقريبًا، فضلًا عن ارتفاع تكلفة إنشاء المحطات، وخاصة البطاريات المستخدمة لتخزين الطاقة، كما يوضح أحد مهندسي الشركة الصينية في مصر وشمال إفريقيا، أن السوق المصرية مازالت في بدايتها، وأن المحطات بعد نحو 30 عامًا من التشغيل، لا تحال إلى التقاعد، بل تظل تعمل، ولكنها بعد هذه الفترة، تبدأ كفاءتها تتراجع بنسبة 1-5% سنويًا، أي تظل تعمل ولكن بكفاءة أقل، وبعد ذلك يتم إعادة تدويرها.
أيضًا يتطلب بناء الخلايا والألواح الكهروضوئية بعض المواد الكيميائية الخطرة والمعادن الثقيلة، ما يستدعي إجراءات إدارة والتخلص من تلك المواد بعناية بمجرد انتهاء عمر محطة الطاقة، بالإضافة إلى أن السوق المحلية لم تحدث لها حالة التشبع، فهي في البداية؛ حيث انتشرت المحطات عام 2015، وهذا يختلف عن أوروبا التي تعاني، كثير من دولها، من مشكلات التلوث وإعادة التدوير لألواح الطاقة من الألياف الزجاجية، والتي بدأت تستخدمها منذ نحو 3 عقود.. تتوقع "الوكالة الدولية للطاقة المتجددة -IRENA"- أنه بحلول عام 2050، يمكن أن تكون أنظمة الطاقة الشمسية مسئولة عما يصل إلى 78 مليون طن من النفايات.
لاشك أن تقنيات الطاقة الشمسية، تشهد تطورًا مستمرًا، ما يساهم في انخفاض متوقع في الأسعار.
ويظل ارتفاع التكلفة الاستثمارية، مع ضريبة المبيعات، ومحدودية الدعم لهذه الطاقة من أهم أسباب عدم انتشار السخانات الشمسية في السوق المحلية، إلا أن هناك برامج وخطط واعدة من الحكومة، لكي تتحول الطاقة من الشمس إلى ربوع مصر.
[email protected]