ربما يسأل المواطن البسيط، ما الذي يعود عليه من صفقة "رأس الحكمة"؟ ما الذي يجنيه من وراء دخول خزينة الدولة 35 مليار دولار، في أكبر صفقة استثمارية في تاريخ مصر؟ سؤال ربما يكون مشروعًا في هذا التوقيت، بعد أن عانى المواطن على مدار سنوات من غلاء فاحش تجاوزت تداعياته قدرات أي أحد، حتى أصحاب الدخول المرتفعة، لدرجة أن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، خلال توقيع اتفاق هذه الصفقة مع مسئولي دولة الإمارات الشقيقة التي تتولى تنفيذ هذا المشروع العملاق، لم يفته توجيه الشكر للشعب المصري، الذي تحمل هذه الأعباء الكبيرة، وأضاف قائلًا: "إن هذه الصفقة بداية لتصحيح المسار، وبداية أيضًا لصفقات كثيرة أخرى"، ولعل هذه الكلمات حملت بين ثناياها الكثير من المعاني والدلالات، بل والتعهدات، إذ أن رأس الحكومة يقر أن هناك أعباءً كانت فوق طاقة الشعب، ويقر أيضًا أن هناك تصحيحًا للمسار الاقتصادي الذي أدى إلى هذه الأعباء.
وبعيدًا عن المكاسب اللحظية التي بدت بشائرها فور التوقيع على هذه الصفقة، سواء تلك التي تتعلق بتراجع سعر الدولار في السوق السوداء، أو ردود الأفعال الإيجابية الصادرة عن المؤسسات الدولية، وما يعكسه ذلك من إعادة تأكيد الثقة في قدرات الاقتصاد المصري التي تآكلت خلال الفترة الماضية؛ نتيجة اتساع الفجوة التمويلية بسبب هروب الأموال الساخنة، وتداعيات التطورات السياسية العالمية، فإن المكاسب التي ستعود على المواطنين من وراء هذه الصفقة كثيرة وفوائدها عديدة، ليس في الوقت الحالي فقط، بل ستمتد لأجيال، إذ أنه وفق العقد المبرم مع الشركة الإماراتية، المطور لهذا المشروع الكبير، فإن مصر لها في أرباح هذا المشروع 35% مدى الحياة، ولك أن تتخيل أن استثمارات ضخمة، تصل إلى 150 مليار دولار في هذا المشروع العملاق، يمكن أن تحقق كمًا من العوائد، وبالتالي فإن إيراداته السنوية الممتدة ستضيف موارد دائمة من النقد الأجنبي لخزينة الدولة، مثل الموارد التي تأتي من قناة السويس حاليًا، أو الصادرات أو غيرها من روافد أخرى.
الحقيقة الدقيقة أن هذه الصفقة ربما تكون الوحيدة التي لها مردود إيجابي سريع على كل فرد من المواطنين وفي أي مكان.. كل مواطن سيجني ثمار هذه الصفقة خلال أيام، وسيتوالى خيرها في الشهور والسنوات المقبلة.. لكن كيف؟
الإجابة بسيطة.. وهي أن استثنائية هذه الصفقة في حجم الأموال، وسرعة ضخها هو سر وصول تأثيرها الإيجابي على السوق، ففي العرف الاقتصادي السائد، فإن إنشاء أي مشروع جديد لا يتم فيه الدفع مقدمًا، وإن حدث فلن يكون كبيرًا بهذا الحجم، وغالبًا يكون ثمن الأرض وبالقسط، فلم يمر على مصر في تاريخها مشروع بهذا الحجم، وهو 35 مليار دولار مدفوعة مقدمًا.
ومن ناحية أخرى لا يستطيع مستثمر، مهما كانت قدراته المالية، ضخ هذه الأموال دفعة واحدة، لذا فإن مشروع "رأس الحكمة" هو مشروع شراكة بين دولتين وليس مستثمرين، في المقابل فإن الوضع الاقتصادي الحالي في مصر لا تصلح في معالجته سوى صفقة أموال ضخمة كهذه، يكون لها الأثر السريع الإيجابي.. وهو ما حدث وما سيحدث، فإن توفير السيولة النقدية سيدفع إلى هبوط أسعار السلع في الأسواق نتيجة زيادة المعروض، وسيدفع أيضًا إلى توافر مواد خام تحتاجها الصناعة، لم تستطع الدولة استيرادها في السابق، وتوفير الأعلاف للمزارع الداجنة، كما سيحل أزمة نقص الأدوية، بعد توقف الاستيراد نتيجة نقص العملة، وستتوافر الأدوية التي يحتاجها المواطن بالصيدليات.. وقس على ذلك مجمل الأزمات التي يعاني منها المواطن؛ بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار، والتي شملت المأكل والمسكن، والدواء وغيرها.. كل هذه الأعراض سوف تتلاشى تدريجيًا مع عودة حركة السوق إلى طبيعتها نتيجة توافر السيولة.
لم تتوقف عوائد الصفقة على المواطن عند هذا الحد، بل تمتد إلى توفير فرص العمل لملايين الشباب، سواء في هذا المشروع العملاق، أو في الشركات التي ستزوده بمستلزمات البناء والتشييد والتأثيث والتشغيل بعد ذلك.
هو بالفعل مشروع عملاق وإنجاز حقيقي يضاف إلى إنجازات دولة 30 يونيو، ويؤكد مجددًا قدرة الدولة المصرية على استغلال الموارد المتاحة في إسعاد الشعب وبناء اقتصاد الدولة، التي تدخل الجمهورية الجديدة بفكر متطور وقدرات شاملة للدولة تؤهلها أن تكون فاعلة على خريطة الدول المتقدمة.
سيخرج عليك أهل الشر بوجه قبيح مشككين في المشروع لإفساد فرحة المصريين وتصدير روح الإحباط واليأس التي اعتادوا عليها في كل مشروع تقوم به الدولة، بئس ما يقولون، وبئس ما يسعون، وسترد سهامهم المسمومة إلى نحورهم، ولن يجنوا من وراء حملاتهم الشيطانية المشبوهة سوى الخزي والعار.
[email protected]