أي طوفان يغير الحياة؛ فلا تصبح أبدًا كما كانت قبله؛ وهو ما فعله وسيفعله طوفان الأقصى بمشيئة الرحمن؛ فلن تذهب التضحيات الهائلة سدى "وستتراكم" الانتصارات ويفرح أهل غزة وفلسطين وكل من شاركهم بقتال الصهاينة بالانتصارات وستبقى "أساطير" الكفاح الطاهر تنير القلوب وتبارك العقول وتمنح الحياة براحًا نقيًا يزيل الأوجاع ويمنح الفرح المتنامي..
نبدأ بالأسطورة الغزاوية الطبيبة أميرة العسولي التي قدمت نموذجًا رائعًا "يصعب" وجوده خارج فلسطين، ويفسر في الوقت نفسه أسرار صمود أطفال ونساء ورجال غزة وكل فلسطين "فالجميع" يتشابهون مع أميرة العسولي..
فعلت أميرة ما فعله الكثيرون من أبناء غزة من الجنسين الذين عادوا إلى غزة بعد العدوان الوحشي الصهيوني؛ ورفضوا "الأمان" بعيدًا عن الوطن، كما رفض من في غزة التهجير..
تركت أميرة عملها قبل سنتين من الحرب لأسباب شخصية، وكانت في دراسة لطب الأجنة في مصر أثناء الحرب وتستعد للامتحانات، ثم عرفت بقصف بيتها للمرة الثالثة، وأن أمها محتجزة تحت الركام، ولم يتحمل قلبها وعادت لغزة، ومن يومها رجعت لعملها بالمستشفى، وأحيانًا تعمل مع الأطباء بلا طواقم تمريض.
لم تكن في وقت عملها؛ كانت تستريح عندما سمعت صوت أحد يئن ويقول الشهادتين؛ وشعرت بالخوف أولا، ثم سمعت من يتساءل هل استشهد أم أصيب فقط؟ وكان عدد الأطباء قليلًا وذهبت واكتشفت أنه استشهد ووجدت آخر مصاب وفكرت في إنقاذه، وفرحت لأنه على قيد الحياة، ولحقها طبيب آخر وشاب في مواجهة آلية الاحتلال الغاشم..
تقول أميرة: "الصهاينة فاكرين أنفسهم أفضل منا ونحن حيوانات، ويجب قتلنا بعد احتلالنا، ولن ينعموا بالسلام، وهم يفكرون أنهم وحدهم يستحقون الحياة، ولكن ونحن لا، عندما يتم استدعاؤنا لإسعاف مرضى نواجه قناصة في العشرينيات من العمر ويعتقدون أنه يمسكون لعبة، هذه ليست حربًا؛ الحرب تكون مع جيوش وليس مع أقلية تحب الحياة، نحن نموت يوميًا عندما نرى سيدة لا تعرف تستحم، وطفلًا لا يجد طعامًا ولا دواء، نحن نموت يوميًا ونتنياهو يرانا حيوانات، إنهم عنصريون ودولتهم قائمة على الإبادة الجماعية لنا، قبل 7 أكتوبر لم نكن "عايشين" وانتظرت أشهر حتى أستطيع السفر للدراسة؛ هذه ليست حياة..
وتضيف: "الطفل الذي يعيش الآن مع أبيه وأمه ويرى كل ذلك؛ هل لن يقاوم الصهاينة عندما يكبر؟! هل لو قضى الصهاينة على حماس والجهاد ألن يجد غيرهم لمقاومته؟! المقاومة باقية ما بقي الاحتلال.
خاطرت أميرة بحياتها لإنقاذ جريح؛ فأسرعت وهي تخفض رأسها تحت القصف الصهيوني من المستشفى للخيمة التي يرقد بها المصاب، وكان الشاب يخاف من بتر رجليه؛ فطمأنته.
عندما سئلت: هل لم تفكري في أنك ستتعرضين للقنص؟! قالت: "يمكن أن أتعرض للقنص وأنا على سريري، سيأتينا الموت ولو في بروج مشيدة، سنموت عندما يريد الله ونريد الشرف أمام الله بالموت ونحن ننقذ إنسانًا، عشت الجري تحت القصف مرات كثيرة لأسعف جريح، وهذا فضل من الله وفي كل مرة لا أخاف إلا من الله، وآخذ احتياطاتي أنحني وأنا أجري تحت القصف، وربنا نزع الخوف من قلبي، وإذا شعرت أن أحدًا يحتاج لمساعدة فلن أتردد.
أما الشهيد إبراهيم علي الدبق، فمن جنوب لبنان؛ فهو من مواليد 1992؛ وشهيد حزب الله، وأب لطفلين وقدم نموذجًا فريدًا للحب في أسمى معانيه؛ فأحب الشهادة في سبيل الله، وجاهد بنفسه وضحى بحياته، وأحب مساعدة الآخرين حتى ممن لا يعرفهم، ولا يعرف "إنتماءاتهم"؛ فقط يحبهم لأنهم شركاء في الإنسانية وفي الوطن، وأعطاهم من نفسه، فقدم أجزاء من جسده فداءً لحياة الآخرين، والجميل أن أسرته نفذت وصيته، وقال والده: "الله يبارك لمن سيستفيد من تبرعه".
ترك إبراهيم أسرته وأصحابه وزوجته وطفليه وحياته بكل تفاصيلها وذهب ليقاتل دفاعًا عن بلده لبنان وتضامنا مع غزة في طوفان الأقصى، ولم ينس كتابة وصيته النبيلة والنقية، وفكر قبل استشهاده في كيفية "إفادة" غيره بعد استشهاده، ولم يكتف بتقديم دمائه وحياته وطمح للمزيد ليكون سبب إنقاذ حياة الآخرين "وإسعادهم" بالاستفادة من أي أعضاء من جسده يمكن زرعها لمن يحتاجها بعد استشهاده.
كان إبراهيم صادقًا عندما كتب وصيته؛ فرزقه الله الشهادة والتبرع أيضًا بأعضائه؛ كانت جراحه صعبة جدًا وأوشك على الموت، فكانت كلية واحدة تعمل والأخرى لا تعمل، فتبرع بها والقلب ما زال ينبض؛ وسرعان ما تم نقله لجسد رجل كان يعاني من موت سريري، وانتقل كبده لآخر كان يحتاجه ليواصل الحياة بلا أوجاع ليتم تنفيذ وصيته وبموافقة أمه وأبيه.
أثبت إبراهيم وأسرته "كذب" الزعم بأن الشهداء يتبعون ثقافة الموت ومن يختارون الاستسلام يختارون ثقافة الحياة، وعاش حياته "القصيرة" رافعًا رأسه وقبل أن ينتقل لحياته الأخرى بنجاح كان سببًا في "فرح" غيره بحياته وفي محو حزنه.
وكيف لا يفعل؟! وهو ابن الجنوب اللبناني الذي تعرض للتدمير على رؤوس ساكنيه مرات من الصهاينة لتهجيرهم ومنعهم من البقاء به؛ فما كان منهم إلا إعادة تعميره مرة بعد مرة، وفي كل مرة يتعهدون أن يجعلوه أفضل مما كان، وأوفوا بالوعود كعادتهم وحطموا "غطرسة" الصهاينة وداعميهم الأمريكان، ولا ينسى العالم كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية عندما زارت لبنان في عام 2006 وقالت بالغطرسة الأمريكية "البغيضة": "الآن بدأ الشرق الأوسط الجديد"؛ في إشارة "لتوقعها" نجاح الصهاينة في العدوان على لبنان "وسحق" المقاومة" وفشل مشروعهم في لبنان وانتصرت المقاومة "وأذلت" الصهاينة وسيفشلون في غزة وفي فلسطين كلها أيضًا بإذن الله.