حانة بايدن ونبيذ ترامب

21-2-2024 | 15:32
الأهرام العربي نقلاً عن

لا يتشابه الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب مع أى رئيس أمريكى آخر، فى سلسلة الرؤساء الأمريكيين الستة والأربعين، يقترب أحيانا من الرئيس السابع أندرو جاكسون، كان يضع صورته فى مكتبه البيضاوى، وكانت حركة «حياة السود مهمة» قد هشمت تمثاله بعد واقعة مقتل الأمريكى الأسود «جورج فلويد» على أيدى قوات الأمن الأمريكية.

ولاية وراء أخرى يكتسح ترامب أصوات الناخبين الجمهوريين، يحظى بالأغلبية، يبدو كقطار بلا مكابح، لا يوجد من يوقفه من المرشحين المنتمين للحزب الجمهورى، ولديه قاعدة ناخبين تعد بالملايين، ازدادت مع الأزمة الاقتصادية الكارثية، فقد تعدى الدين الداخلى الناتج القومى الأمريكى، وهناك ديون خارجية رهيبة، وشعور بالغضب من تحويل دولة الأحلام والرفاه، إلى دولة مديونة عاجزة، ترغب فى قيادة عالم أحادى القطب، لا صوت يعلو فيه على صوت «سلاطين الأوراسيا الجدد».

ترامب هو الرئيس الأمريكى السابع والأربعون، إذا عبر «المجزرة القانونية والقضائية»، أو التصفية الوجودية، إذا ما أقدم مجنون على ارتكاب فعل، قد يؤدى إلى انهيار الشركة الأمريكية العملاقة.
والحقيقة أنها شركة بالمعنى الكامل، كانت مرنة، قادرة على الخروج من أى أزمة، حتى لو كانت بحجم «حرب فيتنام»، أو «الكساد العظيم» أو الغرق، فى «الحرب العالمية على الإرهاب»، وهى الآن غارقة فى مستنقعات العالم، ولم تنجح فى أفغانستان، ولا فى العراق، ولا فى «الثورات الملونة»، التى دعتها زورا «الربيع العربى».

الشركة العملاقة المرنة، تقوم على مدخرات ثلاث ولايات هى: كاليفورنيا، وتكساس، ونيويورك، وبعضهم يزيد ولايتين هما: أريجون وألاسكا، وأيا كان عدد الولايات الغنية أو الفقيرة، فإن مسألة حاكم ولاية تكساس جريج أبوت، وتهديده بالانفصال، وانضمام حكام 25 ولاية إلى مطالبته المشروعة بالحد من هجرة سكان المكسيك إلى تكساس، يؤكد أن دورة الزمن تصيب أمريكا، كما أصابت الإمبراطوريات السابقة، وكان مفكرو أمريكا قد حاولوا دراسة أسباب صعود وانهيار الإمبراطوريات القديمة ليتفادوا السقوط، وجاء على رأسهم المفكر بول كيندى.

تنتشر أمريكا على مساحة جغرافية هائلة، بالقوة الناعمة والخشنة، وهى فلسفة تغاير وتختلف عن سياسة الآباء المؤسسين، فقد كانوا هاربين من جحيم أوروبا الدينى والمذهبى والاجتماعى، ولم يفكروا فى استعادة النمط الأوروبى، القائم على حروب مستمرة لا تتوقف.

التمدد الأمريكى البراق تحول إلى معضلة مزمنة، حاول ترامب العودة إلى ما بين المحيطين الأطلنطى والهادى، ونجح فى مسعاه، واهتزت القارة الأوروبية، وتخلخل حلف الناتو، ودفع مضطرا مستحقاته المالية، ولا يزال ترامب يهاجم الناتو، نتيجة اعتماد أعضائه على حماية أمريكا الكاملة، وفى آخر تصريحاته كرر نفس الهجوم.

لا شك أن ردود الحزب الديمقراطى بزعامة جو بايدن، وانزعاج القوى الأوروبية من تصريحات ترامب. ليست مجرد غضب عابر، إنما هى إدراك تام بأن هذا الرجل سوف يفعل، وقد فعل أثناء فترته الرئاسية الأولى، ولو كان قد قيض له أن يستمر فى فترة ثانية، لرأينا عالما متعدد الأقطاب، تحتل فيه أمريكا دولة قومية عظمى، دون أن تتحول إلى «شرطى العالم»، أو «شرطى الأوراسيا الجديد».

ثمة مفارقة، هى أن أعداء ترامب الأشداء ليسوا من الأمريكيين، بل من ليبراليين دوليين، ينتشرون وكأنهم «ألتراس» أمريكى، يشجع على الحياة فى ظل الخيمة الأمريكية حتى لو كانت لا تتوقف عن الغزو، وإشعال الحروب، وصناعة الثورات الملونة، وصناعة الأزمات وإدارتها.

فى فترته الأولى كاد ينسحب من القواعد العسكرية، الموجودة خارج الأراضى الأمريكية، وقد أقدم على اتخاذ قرارات إستراتيجية ولم تنفذ، ولا أحد يعلم، هل تم الامتناع عن تنفيذ قرارات «رئيس» عن عمد أم بمحض المصادفة؟

عودة ترامب سوف تعيد «الهدوء» إلى النظام الدولى، وقد تؤدى إلى عالم متعدد الأقطاب، فاستعدوا للأمريكى الذى لا يشبه إلا نفسه، ولا ترتادوا حانة بايدن، وجربوا نبيذ ترامب، ولو قليلا!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: