هَـلْ هي مفاجأة أن يفتح العالم عينيه بالأمس على صورة الرئيس التركي "أردوغان" على البساط الأحمر بمطار القاهرة؛ وهو يحيي العلم المصري الذي يرفرف في سمائها الصافية برغم أجواء الشتاء؟!
لقد فَرَكَ البعض ــ في مشارق الأرض ومغاربها ــ أعينهم ليتحققوا من صدق المشهد الذي بثته كل وسائل الإعلام العالمية؛ في البث الحصري والمباشر على كل برامج الأخبار؛ وتساءل البعض: هَلْ الصورة حقيقية أم محض خيال؟! وأن الرئيس التركي في القاهرة؛ بعد جفوة طارئة سرت في عروق وشرايين التواصل السياسي والاقتصادي؛ بين حضارتين عريقتين في منطقة الشرق الأوسط! بلى.. هي الحقيقة المؤكدة التي لامراء فيها في عالم السياسة! ففي مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية التي فرضها الواقع على المنطقة؛ فإنها تستوجب تضافر كل القوى الوطنية المخلصة لمواجهة تيارات الحقد والضغينة على مصر؛ وعلى منطقة الشرق الأوسط بالتحديد؛ ذلك لأن هذه المنطقة تمتلك مفاتيح ضخ النبض المتواصل في قلب العالم؛ هذا العالم الذي يسعى جاهدًا إلى التنمية في كل المجالات الحياتية؛ من أجل تحقيق الآمال المنشودة لشعوب المنطقة في الرفاهية والحرية وحمل مشعل التنوير الذي لاينطفئ؛ لتنقية الأجواء المشحونة بشوائب التوتر المصنوع من جبهات الإرهاب وشياطين الشر! ولأن الساسة يعلمون تمام العلم؛ أن تضييق المساحات الصادقة كفيلة بخنق وموت كل من يحاول فصل تيار الوصل والتواصل بين شعوب العالم وحكوماتها التي تسعى بإخلاص لتحقيق الرفاهية لشعوبها.
ولهذا كانت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ في مستهل حديثه في المؤتمر الصحفي في أول لحظات اللقاء.. ليقول: "... أؤكد اعتزازنا وتقديرنا لعلاقاتنا التاريخية مع تركيا والإرث الحضاري والثقافي المشترك؛ ويهمني إبراز التواصل الشعبي خلال السنوات الماضية، كما شهدت العلاقات التجارية نموًا متزايدًا خلال تلك الفترة؛ وأن مصر حاليًا تُعد الشريك التجاري الأول لتركيا في إفريقيا؛ وتركيا تعد من أهم مقاصد الصادرات المصرية ...".
ودعوني أقفز فوق الأحداث؛ وأترك ــ لبضعة سطور ــ الأحاديث المتبادلة لحظة هذا اللقاء التاريخي ــ والذي بعث الرعب والهلع في قلوب من يريدون لبلادنا الركود في مستنقع الإرهاب والضغينة ــ لأسلط الضوء على هذه اللقطة؛ التي ربما لم يفطن إليها أحدٌ من المتابعين لهذه الزيارة بالذات ــ وهي اصطحاب الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ نظيره التركي "رجب طيب أردوغان" في مساء الأربعاء؛ في زيارة لمسجد "الإمام الشافعي" بالقاهرة! ولعلي أسوق إليكم ــ من وجهة نظري ــ التفسير المنطقي لهذه الزيارة على وجه الخصوص؛ للدلالة على اختيار هؤلاء الزعماء لأحد الأئمة الأربعة الكبار؛ وهو الإمام الشافعي "صاحب المذهب الوسطي" المستنير؛ لتصطبغ العلاقات بالوسطية بلا تطرف أو انحياز؛ والتي جاءت كضربة قاصمة لمن يريدون توهج الشرر بين أصحاب المذاهب العقائدية.. والسياسية!
ولعلي لا أكون قد جانبني الصواب في هذه الرؤية؛ فلقد أبدى الرئيس أردوغان سعادته بزيارة معالم القاهرة التاريخية والإسلامية؛ مؤكدًا اعتزازه واحترامه البالغ بحضارة الشعب المصري العريقة منذ السطور الأولى في صفحات كتاب التاريخ.. وهوامشه!
إن الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ يشير في سياق كلمته إلى أهمية تحقيق السلام والأمن في المنطقة؛ ففي هذا الصدد قال: "... أود أيضًا أن أشير إلى اهتمامنا بتعزيز التنسيق المشترك؛ والاستفادة من موقع الدولتين كمركَزَيْ ثِقَـلْ في المنطقة؛ بما يُسهم في تحقيق السلم وتثبيت الاستقرار؛ ويوفر بيئة مواتية لتحقيق الازدهار والرفاهية؛ حيث تواجه الدولتان العديد من التحديات المشتركة.. مثل خطر الإرهاب.. والتحديات الاقتصادية والاجتماعية.. التي يفرضها علينا الواقع المضطرب في المنطقة..." و"... عن اعتزازنا بمستوى التعاون القائم بين مصر وتركيا من أجل النفاذ السريع؛ لأكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى أهلنا في قطاع غزة؛ أخذًا في الاعتبار ما تمارسه السلطات الإسرائيلية من تضييق على دخول تلك المساعدات؛ مما يتسبب في دخول شاحنات المساعدات بوتيرة بطيئة.. لا تتناسب مع احتياجات سكان القطاع... "!
إنها كلمات مصر القوية ـــ على لسان قائدها الوطني المخلص ــ في مواجهة الغطرسة الصهيونية؛ فالكل يعلم مدى قوة مصر وثقلها السياسي والعسكري بجبيشها القوي المتأهب دومًا لنصرة حق الشعب الفلسطيني على أراضيه المغتصبة؛ ولكن تسعى مصر دائمًا إلى حقن الدماء؛ وتعلم تمامًا: أن لكل حدثٍ حديث.. وموقف!
لقد تبادل الرئيسان الكلمات بكل الصراحة والوضوح دون تورية أو التفاف ــ كعادة أهل السياسة في عالمنا المعاصر ـ فاستفاض الرئيس "أردوغان" في تصريحاته الواضحة.. بـ"... أن الحرب في غزة تصدرت المحادثات؛ متهمًا حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها (تتبنى سياسة القتل والمجازر)؛ وقال إن قصف غزة (تصرّف جنوني من نتنـياهو) من جهته؛ وأيده في ذلك الاتجاه الرئيس السيسي ـ من منطلق القوة العاقلة ــ اتفاقه مع الرئيس التركي على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة.
وتلك هي مصر القوية في مواجهة أصحاب الغباء السياسي القمعي تجاه أصحاب الحق والأرض.. والتاريخ.
والآن.. على كل من يحاول تصدير الطاقة السلبية لشعوبنا في المنطقة ـ استغلالاً لبعض الظروف الاقتصادية الطارئة ــ أن يلعق حذاء الندامة والحسرة؛ فلقد التقت الشعوب الآمنة على درب السلام والتصالح.. حتى لو كان هذا التصالح والمصالحة ــ كما يزعمون ــ على سبيل المصلحة والاستقرار.. وحقن الدماء.
وتحيا مصر القوية بقلوب ابنائها الشرفاء الأنقياء الأوفياء لمكانتها على خريطة العالم الحر، وليمت أهل الشر غيظا وكمدا فقد أسقط في يدهم وأسدل ستار مؤامراتهم وضربوا في مقتل بحنكة قيادة سياسية واعية تضع مصلحة الوطن قبل كل شيء.. حفظ الله مصرنا المحروسة وأبقاها عصية على الانكسار والاندحار عبر كل زمان وأوان.. آمين!