أما آن لهذه «اللعبة» أن تنتهىي؟

14-2-2024 | 11:09
الأهرام العربي نقلاً عن

خضع الإقليم العربي، دولا وشعوبا وقبائل، لسياسة المد والجزر الأوروبية على مدى قرون.

تقع حرب إقليمية على أراضى القارة العجوز، تسميها عالمية، باعتبارها إنسان العالم الأول، والأخير.

 ومع نهاية أى مغامرة دموية تصاب الشعوب الأخرى بالنتائج الكارثية، كان من حظ الإقليم العربي، ما يقرب من 14 مليون كيلومترا مربعا، وأكثر من 400 مليون نسمة، الخضوع للاحتلال والتقسيم المجحف، وطمس ثقافته وماضيه، وتذويب حضاراته القديمة، أو فى أحسن الأحوال تحويلها إلى متاحف صامتة للمشاهدة السياحية.

سياسة المد الأوروبى تجلت فى احتلال الإقليم العربى عقودا طويلة، دفع فيها ثمنا دمويا رهيبا، وانزلق إلى حافة التخلف الكامل، وحين حدث الجزر، منتصف القرن العشرين الماضي، بتحرر الدول من الاحتلال الطويل، اكتشف الإقليم العربى أن أمراض الحرب العالمية الثانية، وهى فى الجوهر حرب إقليمية داخل القارة الأوروبية، أصابت قلب المنطقة العربية، بحل المسألة اليهودية، وهى أساسا معضلة أوروبية استمرت ألف عام، على حساب بلد عربى هو فلسطين، أى أن الرصاص ينطلق فى أوروبا ويسقط على الأراضى العربية.

وخلال نصف القرن الأخير، بعد استعادة الاستقلال، وقعت أكثر من عشر حروب كبرى على الأراضى العربية، وعدة حروب أهلية، وصولا إلى غبار الربيع العربى الأسود، فى تمويه للواقع الحقيقى الذى يجعل من الأراضى العربية حقل تجارب، وميدان رماية، ومنطقة رخوة، ومكتب بريد إرسال الرسائل الملغومة للآخرين.

فى ربع القرن الأخير وحده، تحديدا منذ أحداث سبتمبر 2001 على الأراضى الأمريكية، وجد العرب أنفسهم يخوضون سلسلة من الحروب الناعمة، والخشنة، بأدوات محلية ودولية، وحروب عملات مالية تعمل على تدمير المجتمعات بقسوة.

إذا ما وضعنا خريطة الإقليم العربى من موريتانيا على الأطلسى فى الغرب، إلى العراق على الخليج العربى فى الشرق، فسنجد أن هذه المساحة الشاسعة، تدور عليها عدة معارك، تترابط فى انتظام، تجعل شعوب الإقليم لا تتنفس، ولا تستطيع أن تنخرط فى الثورة الصناعية الرابعة، ثورة الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا فائقة القوة، وقد أفقدوها الانخراط فى الثورات الصناعية الثلاث السابقة.

لا تشذ المحرقة الإسرائيلية للفلسطينيين فى غزة “المرهونة” عن الطريق الغربى القديم، ولا يشذ عنها الحضور الأمريكى الطاغى فى الإقليم العربى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الآن.

والحضور الأمريكى خيمة عظمى، تغطى سماء الإقليم، ولا توجد معركة منذ نهاية أربعينيات القرن الماضى إلا وكانت أمريكا فى مقدمة الصفوف، بعد وراثتها الشرعية للنفوذ الأوروبى بالكامل.

آن الأوان لأن تنتهى “لعبة المد والجزر”،  فلم يعد هناك معسكر شرقى وآخر غربي، ولم تعد هناك مدارس اقتصادية متصارعة، بل فازت مدرسة “دعه يعمل دعه يمر”، رغم قسوتها وتدميرها للمجتمعات، والإقليم العربى التحق منذ وقت طويل بفصول هذه المدرسة، ومع ذلك لم ينجح فى إتمام شهادته العلمية، وجدارته فى صناعة العصر، ليس لقصور فيه، بل لأن “الأب الروحي”، لا يرغب فى هذا.

فماذا فى جعبة الإقليم ليقدمه لـ”الأب الروحي”؟

الصورة واضحة وجلية، لا يوجد عداء بالمعنى العميق للتحديث، أو الانخراط فى علوم العصر، ولا توجد نزعة عربية للسيطرة على العالم عبر الغزو، أو فرض نمط ثقافى معين، ولا يؤمن أى عربى بصدام الثقافات، بل هناك من يرى فى الحداثة الأوروبية مثالا فريدا، ويريد أن يلتحق به، وقبل أكثر من قرنين حاول محمد علي باشا، ولكن أصحاب سياسة “المد والجزر”، قطعوا عليه الطريق، وكرروا فعلتهم من عصر إلى آخر، وعلينا أن نتساءل: أما آن لهذه اللعبة أن تنتهي؟

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة