كتب المحرر العلمي..

12-2-2024 | 14:43

على مدى نحو 3 عقود، تمكنت "جمعية كتاب البيئة والتنمية" من الوصول إلى عقل القارئ ووجدانه، عبر رسالتها العلمية نحو وعي متطور للإنسان أينما كان، ومن بين عناصر رسالتها، تشجيع الزملاء الإعلاميين عبر دورات "جائزة البيئة الصحفية" السنوية ترتقي بموضوعاتهم، بتنسيق ودعم وزارة البيئة.

فبالرغم من تحولات المناخ، وضغوط الاحتباس الحراري، ومعوقات التنوع البيولوجي، إلا أن وزارة البيئة حرصت على رعاية وتنشيط قيمة تنموية لدعم وتشجيع الفائزين بالتميز والكتابة البيئية، وكانت الدورة الأولى للجائزة باسم الزميلة "سوزان زكي - الجمهورية" لعام 2022، والثانية باسم الزميل "محمد عبدالمقصود - الأخبار" لعام 2023، أما الدورة الثالثة، للعام الحالي، فتحمل اسم الكاتب الصحفي "وجدي رياض - الأهرام"، وموضوعها حول "الالتزام البيئي بالصناعة "، بالمشاركة مع مكتب الالتزام البيئي والتنمية المستدامة باتحاد الصناعات المصرية، بمناسبة مرور 25 عامًا على برنامج التحكم فى التلوث الصناعي التابع لوزارة البيئة.

كان وجدي رياض، وما زال، عنوانًا للمحرر العلمي، فقد رصد 3 تحديات تواجه المحرر العلمي، أهمها أن هذا المحرر، وبالرغم من ثراء اللغة العربية، إلا أنه قد لا يجد معنى لغويًا فيها معبرًا عن مصطلحات العلوم الحديثة وترجمتها، وتحدٍ آخر، هو سعي القائمين على البحوث العلمية إلى عدم الإفصاح عن عملهم رغبة في نجاحه، والتحدي الثالث يتمثل في التناقض بين دقة التوصيف العلمي، والجاذبية الصحفية بين المحرر العلمي وهيئة التحرير.

"كنت محررًا علميًا".. عنوان لكتاب أصدره مؤخرًا، لم يهتم بالقارئ العادي بأسلوبه العلمي البسيط فقط، ولكن أيضًا كان مهمًا للعلماء أيضًا، في وضع صياغة معبرة عن الحالة العلمية ليضعه أمام القارئ، دون إخلال بالبعد العلمي لفريق العلماء.

وكما الكوكب نراه بعيدًا، كانت هناك مسافة، مادية وأدبية، بين العلوم ومصطلحاتها وعلمائها، وبين الإعلاميين والرأي العام، إلا أن وجدي رياض وسبقه الأستاذ صلاح جلال وآخرون، قدموا للثقافة العلمية، في وسط إيقاع الحياة اليومية، لتصبح مدارًا مهمًا يستلهم منه الصحفيون والقراء غدًا أفضل.

لقد وضع دستورًا علميًا للكتابة العلمية والبيئية.. كيف تصبح محررًا علميًا، ما ينبغي معرفته عن العلم، وإيجاد أفكار لتغطيات علمية، وكيفية قراءة الأوراق البحثية العلمية، وما هو الأفضل في عرض فكرة، تغطية عمل محرر علمي، إجراء المقابلات مع العلماء والباحثين، كتابة موضوعات علمية جذابة، كيف تكون جزءًا من عالم الصحافة العلمية.. هكذا كان يفعل تواقًا إلى السبق الصحفي بعبارة "كتب المحرر العلمي".

ويضرب رياض مثلاً في كتابه، بالتقاطه خيط خبر وهو عائد من إحدى دور السينما في الستينيات، وتصادف رؤيته لمبنى وزارة الصحة، التي يغطيها صحفيًا، مضاء ليلاً وبه حركة غير عادية، وحين دخل المبنى فوجئ بمدير الإحصاء في الوزارة يحمل كشفًا بأسماء المصابين بالكوليرا التي تم اكتشافها حالا، فيكتب وجدي الخبر ويضع عليه عنوان "للعلم"، ويتركه على مكتب محمد حسنين هيكل الذي لم ينشره، ولكنه يبلغ الرئيس جمال عبدالناصر.

يقول رياض، المحرر العلمي ليس مجرد ناقل خبر عابر، بل هو لاعب أساسي في صناعة الحياة في مجتمعه، فضبط إيقاع القاطرة بين المجتمع والعلم ليس وظيفة روتينية، وإنما هم دائم بالليل والنهار، ويوضح في سرد رحلته فارقاً أساسيًا ربما لا يهتم به البعض في التفرقة في مجال الصحافة العلمية بين المندوب العلمي، وهو الصحفي الذي يمثل الجريدة في المؤسسات العلمية، والمحرر العلمي، الذي لابد أن يكون على دراية واسعة بالمواد العلمية من طبيعة وكيمياء وأحياء، وأن يكون صاحب إمكانات، خصوصًا في هضم المواد العلمية أولاً وتبسيطها ثانيًا. 

من بين أهم المبادرات التي قام بها وجدي رياض، تأسيس أول جمعية مصرية إقليمية متخصصة في الشأن البيئي، وهي "جمعية كتاب البيئة والتنمية" من 21 عضوًا هم المؤسسون، سلامة أحمد سلامة "الأهرام"، وجدي رياض "الأهرام"، عبدالفتاح العناني "روزاليوسف"، رندة فؤاد "التنمية الحضرية"، هاني البنا "دار التعاون"، فوزي عبدالحليم "الأهرام"، ماري يعقوب "الأهرام"، حاتم نصر فريد "أكتوبر"، محمود عبدالرحمن "التعاون"، ماجدة مهنا "الأهرام"، ليلي مرموش "الهلال"، أنعام أبووافية "الأهرام"، حاتم صدقي "الأهرام"، ثابت أمين عواد "الأهرام"، صادق محمد الصياد "الوفد"، جعفر محمود "الأخبار"، محمد عبدالمقصود "الأخبار"، فاروق عبدالمجيد "الأهرام"، عنايات مرجان "الأهرام"، سهير شميس "الشرق الأوسط"، عصام الشيخ "الجمهورية".

كانت ومازالت أهداف الجمعية، التي أشهرت عام 1995، هي البنية المؤسسة للعمل البيئي العلمي المتخصص، كما تنبهت إلى التنمية المستدامة في ذلك الوقت، ولكنها كتبت في إشهارها: "التنمية المتواصلة"، قبل أن يظهر مصطلح "التنمية المستدامة".

في تجربته، ينبه رياض، إلى أن المادة العلمية قد لا تبدو جذابة، وقد يهرب الصحفي منها إلى مجالات أخرى، مثل السينما والرياضة والحوادث، لكنه يشير إلى إمكانية تجاوز ذلك حين يؤمن الصحفي بأن العلم هو كل شيء في الحياة، وبالتالي يمكن أن يحول المادة الصحفية العلمية إلى مادة جذابة.
                                                                                                                                                                                                 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة