فى يوم واحد شاهدت لقاءين من عاصمتين مختلفتين، هما واشنطن وموسكو، وكان المتحدثان فيهما الرئيسين الأمريكي "جوبايدن"، ونظيره الروسي "فلاديمير بوتين"، وجمع بينهما رابط، هو رغبتهما في إظهار قوتهما الذهنية والجسدية، واستحقاقهما الجلوس على المقعد الرئاسي بجدارة، وتحمل مسئولياته الجسيمة والمرهقة دون وجل.
النتيجة الإيجابية المرتقبة لم تكن في صف "بايدن"، الذي أثقل كاهله عامدًا متعمدًا بدفعة جديدة من الهفوات والزلات، بينما خرج "بوتين" برصيد أكثر وأكبر من النقاط الحاسمة التي تدعم موقفه وموقف بلاده، مما يدور على الساحة الدولية من أزمات ومشكلات تدفع البشرية أثمانها الباهظة والمكلفة، ويوضح مَن المسئول عن اضطرابات وتوترات عالمنا.
فى لقائه واصل "بايدن" بنجاح ساحق تشتته وعدم تركيزه، وخلطه بين الأشياء والأحداث، كلما فتح فمه للتحدث أمام الصحفيين وخلال مناسبات عامة، ليضع مساعدوه أيديهم على قلوبهم خشية ما سوف يقوله ويتسبب فى إحراج الولايات المتحدة، والتقليل من شأنها في نظر الآخرين، واضطرارهم للتدخل بالشرح والتصحيح لتصريحاته العبثية الباعثة على السخرية من فرط كثرتها وغرابتها، ولسان حالهم يقول "حكم السن نعمل إيه، فبايدن تخطى عتبة الثمانين عامًا.
حتى إن تقرير المحقق الخاص الأمريكي في قضية الوثائق السرية، خلص إلى أن "بايدن" رجل مسن ذو ذاكرة ضعيفة، لدرجة نسيانه تاريخ وفاة نجله، ووجهت دعوات لخضوعه لاختبارات طبية، لبيان سلامته العقلية، ومن ثم أحقيته في الاستمرار بمنصبه الذي يتطلب لياقة جسمانية وذهنية يبدو أنه يفتقر إليها.
خرج الرئيس الأمريكي من مؤتمره الصحفي الذي عقده للدفاع عن نفسه، ولتأكيد تمتعه باللياقة الذهنية، مثخنًا بمزيد من الجراح الغائرة، التي ستحرمه غالبًا من البقاء بالبيت الأبيض، أو مواصلة الترشح لولاية رئاسية ثانية.
على النقيض ظهر "بوتين" البالغ من العمر ٧١ عامًا، خلال حواره مع الصحفي الأمريكي "تاكر كارلسون"، والذى حصد ملايين المشاهدات فور بثه على مواقع التواصل الاجتماعي، يقظًا وواعيًا لكل كلمة ينطق بها، وأفكاره مرتبة ومتدفقة، ومناورًا صعبًا، فقد أرهق محاوره طوال ساعتين اقتطع منها نصف ساعة كاملة تكلم فيها عن تاريخ روسيا القديم، لإثبات حقها في السيطرة على أوكرانيا، وفشلت كل محاولات "كارلسون" لإيقافه وتحويل الدفة لموضوع آخر، ولم يصمد في السجال معه إلا ساعتين، وحينما لم يجد منفذًا أنهى المقابلة.
امتلك "بوتين" منطقًا وجيهًا عند استعراضه طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، ودورهما في إشعال الحرب الأوكرانية الروسية، وسعيهما للإضرار بالأمن القومي الروسي واقتصاده، وظنهما أنهما أوقعا الدب الروسي فى فخ لن يقدر على الخروج منه سالمًا ومتماسكًا، وهو ما لم يتحقق حتى حينه.
أثبت "بوتين" بذكاء ودهاء مَن هو الأجدر بقيادة العالم، هل هو الشخص الفاقد للتركيز الذي لا ينفك يرتكب ذات الأخطاء المرة تلو الأخرى، أم الواعي والمنتبه لما يجرى من حوله، ويستطيع اتخاذ القرارات الصائبة، وفى التوقيت المناسب، ولديه مقومات القيادة، وحينما يتحدث يزن كلماته بميزان حساس ودقيق، حتى لا يبدو وكأنه تائه مثل كائن فضائي قدم لتوه إلى كوكب الأرض.
وبعد، أترك الحكم النهائي للمشاهدين والقراء ليحددوا بنزاهة وتجرد مَن الأحق بقيادة العالم بوتين أم بايدن؟!