نحتاج في الحوار الوطني في جولته الثانية إلى أفكار أكثر عمقًا بشأن الضغوط الاقتصادية الحالية في مصر, والتي هي جزء من أزمة الاقتصاد العالمي من ناحية, ومن تعقد المشهد الإقليمي من ناحية أخرى, كما أنها جزء أصيل من الإدارة الاقتصادية المحلية لهذا الملف الشائك.
وعالميا فإن تراكمات ما حدث في زمن الوباء "كوفيد 19"، والحرب الروسية في أوكرانيا, ما زالت آثارهما متمثلة للعيان.
وأقليميا فإن تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لا يطالها الحصر, وتأثيرها على الناتج السياحي المصري, وعلى دخل قناة السويس, بسبب مردودها جنوب البحر الأحمر, في التحالف الأمريكي البريطاني وضرباته ضد الحوثيين في اليمن, سواء حركتهم إيران أو المشاعر الفطرية الجياشة تجاه قتل آلاف المدنيين في محرقة غزة.
وكذلك ما يحدث في السودان الشقيق من حرب أهلية ضاعفت من أعداد السودانيين الأشقاء في مصر.
هكذا يتحمل الاقتصاد المصري ضغوطا وعوامل غير مباشرة, لم تكن موجودة من قبل, ولم تكن ضمن حسابات أي تخطيط مسبق, وتحملت الأسواق تغيرات غير منظورة في العرض والطلب والقوى العاملة لم تكن في الحسبان؛ فأكثر من عشرة ملايين مقيم في مصر من جنسيات مختلفة ليس بالعدد الهين, حتى لو أنفقوا مالا أتوا به, أو أقاموا مشاريع, أو التحقوا بالأعمال, لأن تخطيط الدولة, أي دولة, لا يقوم على استيعاب هذا العدد الهائل, الذي يشكل دولة إضافية, ولا تتحمله البنى التحتية والطرق والسلع والمساكن وغيرها.
أما المسببات في الداخل, فإن الحوار الذي نحتاجه حول الاقتصاد, من البديهي أن يتوصل إلى خطة عمل طوارئ, وأظن أنه لا يماري أحد في أننا في حالة طوارئ اقتصادية, لا تصلح معها سبل الإدارة في الأحوال العادية, فالوضع غير مريح, أكاد أقول شائكًا, ولا أرى دولة في العالم في نفس الظروف الضاغطة التي نعيش فيها, من الشرق والغرب والجنوب, كأنه حزام النار حول الخريطة المصرية.
ولقد ينجح الحوار الذي طالب الرئيس السيسي باستئنافه, بمحوره الاقتصادي, في إقرار أو الضغط على الحكومة, لكي تؤسس خططها على أساس التركيز على حسم الموضوعات القادرة على جلب العملات الصعبة إلى البلاد, ليس بوضع العناوين ورؤوس الموضوعات, وإنما باستكمال كل جزئية من الرأس حتى القدمين, وعدم ترك شيء للصدفة أو الحس الوطني الجماعي.
فالحس الوطني الجماعي رفع سعر الدولار في السوق السوداء, وفضل المنتج الأجنبي عن الوطني, وقام بتخزين السلع ليرفع أسعارها ويبيعها كيفما شاء, وتاجر في دولار العاملين المصريين في الخارج متجاوزا التحويل الرسمي... إلخ وإن كان هناك استثناءات أكيدة في هذا الموضوع ممن مازالوا يحملون هموم الوطن.
ولنأخذ ملف السياحة التي يمكن أن تزيد من حصيلة الدولة من العملات الأجنبية, فإن عدد السائحين في مصر لا يصل أبدا إلى ما يمكن أن يوازي المقاصد السياحية العظيمة عندنا, لأن دعم وتنشيط السياحة, لا يأتي من الدعاية وجهود أصحاب الشركات والفنادق فقط, وإنما من الحكومة والمحليات, التي ينبغي أن توفر للسائح الأجنبي الحماية من المتسولين والمستغلين في الأماكن السياحية ومن فوضى سوق البازارات والهدايا التي يمكن أن يحملوها معهم كتذكار, ومن فوضى تاكسيات المطار وخارج المطار، السائح يأتي ولكن لا تاكسي في العاصمة يعمل بالعداد، حسب ما أعلم، ويتم استغلالنا, فما بالك بالسائح!!
وليفحص الحوار الاقتصادي فاتورة الاستيراد بدقة, لكي يضع قائمة موازية بالترتيب لما يجب أن نتمكن من حذفه في مدى زمني معين بالإنتاج المحلي.
وليستضيف الحوار أصحاب المصانع المغلقة وليس لدي لائحة بعددها, ويناقشهم ولا يتركهم دون حل مشاكلهم مع الأجهزة الحكومية, وسماع صوت الماكينات يهدر من جديد.
وليناقش الحوار أصحاب مصانع الأدوية للتوصل إلى حلول لأزمات الدواء الناقص في الصيدليات، وتنشيط الإنتاج المحلي, والتفاهم مع نقابات المهن الطبية؛ لإعادة ثقافة البديل الدوائي ونشرها في المجتمع.
وبمناسبة الأدوية فإن ملف اللقاحات في هذه النقطة بحاجة إلى تفسير, لأنني قرأت أثناء جائحة كوفيد 19 عن مصنع لقاحات في السادس من أكتوبر, وهناك أزمة لقاحات عالمية. في هذا الإطار تلقيت لقاح إنفلونزا مستورد من كوريا الجنوبية في بداية الشتاء.
أما الأثر والدور السياسي في كل هذه الملفات المرتبطة بالصراع في المنطقة وحولها, فإن أداء الدولة المصرية أجبر الجميع على الاستماع إليها, وأكثر من ذلك تبني غالبية العواصم للموقف المصري, الذي هو جزء أساسي من الحل, لا يمكن مجرد التفكير في تجاوزه.