ماذا تعرف عن الأزمة؟

11-2-2024 | 16:58

وهل هناك من لا يعرفها؟ لاتنزعج، فالتصور المستقر في الأذهان أبسط كثيرًا من أن تتعب نفسك فى شرح وتفسير معنى الأزمة وخصائصها التي قرأت عنها في الكتب، يكفيك فقط أن تلقي بسؤالك في أذن أحدهم حتى ينهمر عليك سيل من التعريفات: مشكلة كبيرة، موقف معقد، مـأزق خطير، ورطة محيرة، بل هي مصيبة، ولن يكون من الصعب عليك أن ترى الواقع المليء بالأزمات بمختلف أشكالها، وهو يرمي بظلاله على تلك الإجابات، يظهر ذلك واضحًا وضوح الشمس إن طلبت مثالًا للأزمات التي تعرض أو يمكن أن يتعرض لها الشخص، حيث تجد معظم الإجابات تنصرف إلى الانقطاع المتكرر للكهرباء، انقطاع المياه، أو مرض أحد الأطفال وعدم توافر الرعاية أو تأخر وسائل المواصلات...إلخ، وعليك أن تتوقع شكلًا آخر للإجابة إن وجهت سؤالك لمدير أو وزير عن الأزمات التي يمر بها في محيط العمل؛ حيث تجد إجاباتهم تتركز حول تأخر الموظفين أو عدم توافر الكفاءات أو التمويل اللازم لتنفيذ المشروعات، وتأثير ذلك على حسن سير العمل..إلخ. 

إلا أننى – كعادتى - أتعمد تبسيط الأمور أشد التبسيط، لذلك أفاجئ المتدربين دومًا بمثال لإحدى الأزمات شديدة الالتصاق بحياتنا اليومية، التي ربما نتعرض لها جميعًا وعلى حد سواء بشكل متكرر، ولا يخلو منها بيت، خاصة إذا حدثت في الصباح الباكر ونحن نستعد للذهاب إلى العمل ولا وقت أمامنا لأي مناقشة، من المؤكد أننا جربنا ذلك الموقف جميعًا، عندما تسأل الزوجة زوجها: "تاكلوا إيه النهارده"؟ فأرى بعض المتدربين يبتسمون والبعض الآخر يضحك – ربما واجهوا تلك الأزمة هذا الصباح – معتبرين أنه سؤال بسيط وعادي وله مئة إجابة يلقون بها إلى زوجاتهم كل مرة.

عندئذ انبري لهم متحديًا أن يأتوني بالمئة إجابة المزعومة من خلال نقاش أتولى فيه عرض وجهة نظر الزوجة، وأبدأ في توجيه السؤال السابق مطالبًا إياهم بالإجابة، طبعًا الإجابة الأولى من كل الرجال والتي يتصورون أنها الحل الناجع والسريع والحاسم والمريح هي نفس الإجابة التي توشك أن تسبب سكتة دماغية للمرأة، عندما ينظر الزوج إليها بمنتهى التركيز، ويصمت دهرًا، ثم ينطق مكرًا: "أى حاجة"!

فيكون ردها: "أي حاجة زي إيه"؟ أذكر لي شيئًا واحدًا من فضلك، فتأتى الإجابة الثانية التي يفترض – في تلك اللحظة - أن تسبب لها شللًا مؤقتًا: "إللي تشوفيه"! أو "اسألي الأولاد"! ثم ينطلق مسرعًا نحو الباب قبل أن تنقض عليه وهي تكشر عن أنيابها وتصرخ في وجهه مرددة الإسطوانة المعتادة في تلك المواقف: هكذا أنت دائمًا.. لا تشاركني في أي شيء؟ أين إجابتك عن سؤالي؟ والله حرام عليكم.. كل شيءفوق رأسي وحدي.

نعم هي على حق، لكن ما الحل؟ 

لا أبالغ عزيزي القارئ إن أخبرتك أن إجابة هذا السؤال ومناقشته تستغرق خلال التدريب حوالي عشر دقائق، وهو مجرد تدريب! فما بالك بما قد يحدث على أرض الواقع؟ صدقني أنه يمكن أن تستغرق وقتًا يكفى لتأخر كلاهما عن عمله، وربما سبب أزمة في العمل لأحدهما أو كليهما، والسبب بسيط، وقد جربته شخصيًا، وربما جربه معظمنا، في تلك اللحظة نصاب جميعًا بالزهايمر فننسى جميع أصناف الطعام التي نعرفها والتي يمكن أن نقترحها، ووصلنا من خلال التدريب والعصف الذهني إلى أن أفضل حل لتلك الأزمة المتكررة هو إعداد قائمة أسبوعية تتضمن أصناف الطعام التي يقبل عليها أفراد الأسرة، وأيضًا البدائل الممكنة والمتاحة، وهو أمر لو تعلمون عسير، لأن إعداد تلك القائمة لابد وأن يراعى فيه تعدد الأذواق بداخل الأسرة الواحدة والميزانية المتاحة والأسعار القائمة للسلع... إلخ!

ألم أقل إنه أمر لو تعلمون عسير، لكنه حل لابد منه لتجنب الأزمة المحتملة إن جاء السؤال فجأة وفي وقت ضيق غير مناسب، فأصبح يمثل تهديدًا لأحد الطرفين أو كليهما.

نعم الأزمة هي الضيق والشدة والموقف المعقد والورطة والمصيبة... إلخ، إجابات بسيطة تعكس إلى حد كبير الفكر السائد حول معنى الأزمة، ليس فقط لدى عامة الناس، ولكن  أيضًا لدى المثقفين، ودليلنا على ذلك أن الأزمة في اللغة هي الضيق والشدة (المعجم الوجيز 1990)، وهذا هو بالفعل المفهوم الذي يرد إلى الذهن فورًا عند ذكر مصطلح الأزمة أمام أي شخص غير متخصص أو على دراية بأصول هذا العلم ، إلا أن التطور الذي صاحب فكر التعامل مع الأزمات، وتسخير العلم لإدارتها استوجب بالضرورة وضع محددات وأسس لذلك المصطلح، الذي أصبح على درجة عاليه من الأهمية والخطورة والتعقيد على جميع المستويات وفى شتى المجالات، وأصبح من الضروري التعاون والتنسيق بين مختلف العلوم والتخصصات للارتقاء بالمفاهيم العامة والدارجة للأزمة، ووضع أسس ومعايير علمية يمكن من خلالها إرساء قواعد الإدارة الرشيدة للأزمات. 

عزيزى القارئ، رغبة فى إعطائك فكرة جيدة ومبسطة حول علم إدارة الأزمات، سوف أحرص على عدم الخوض في تفاصيل دقيقة لا حاجة لك بها. وفي تناولنا اليوم لتعريف الأزمة دعني أرسو بكَ مباشرة على شاطئ التعريف الأبسط والأشمل دون تعرض للتعريفات المتعددة المعقدة التي تعج بها الكتب والأبحاث العلمية.

اعلم عزيزي القارئ أن الأزمة – ببساطة – هي حدث مفاجئ يتسبب في تهديد للأهداف أو المصالح أو الأمن؛ سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي للأسرة أو المؤسسة أو الدولة، وبما يتطلب سرعة التدخـل للسيطرة على التأثيرات المحتملة رغم ضيق الوقت وقلة المعلومات، تلك هي الأزمة وما يميزها من خصائص متفق عليها بين جميع المتخصصين في علم إدارة الأزمات، بشكل أوضح وأبسط بكثير عما تضمنته تعريفات أخرى لا مجال لعرضها، الموقف المفاجئ والتهديد وضيق الوقت هي عبارة عن توليفة أطلق عليها المتخصصون اسم "مثلث الأزمة" الذي يضيف إليه الكثيرون عنصر "نقص المعلومات" نظرًا لأهميتها الشديدة، وبخاصة فى عصر المعلومات الذي نعيشه، فكلما توافرت المعلومات زادت فرصة تفادي عنصر المفاجأة، وبالتالي التغلب على عنصر ضيق الوقت، وسوف يتم التعرض لذلك بالتفصيل عندما نتناول خصائص الأزمة في مقال آخر إن شاء الله. 

ما يجب أن ندركه - وقد ذكرنا ذلك في مقالة سابقة - أن التعامل مع الأزمة لا يشترط فيه - وكما قد يبدو للقارئ للوهلة الأولى عند ذكر مصطلح أزمة - أن هناك أزمة متحققة بالفعل، وأننا نسعى إلى التعامل معها وتخفيف حدتها وآثارها السلبية، قلنا إن الهدف الأساسي في مجال الأزمات يتمثل في العمل على عدم حدوث الأزمة بالدرجة الأولى، وهو ما يعرف بـــ"درء الأزمة"، فإذا كانت الأزمة متحققة لا محالة رغم كل الاستعدادات لمنعها، كان العمل على إدارتها بشكل يضمن تقليل الخسائر أو ربما تعظيم الفوائد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة