يرسل الله إلينا أحيانًا بأناس مَثلهم كمثل الهدايا الثمينة، يلوحون بأيديهم إلينا وهم ينظرون نحونا مرحبين بنا ومبدون رغبة صادقة في الوقوف بجانبنا، بعطاء المحبين الراغبين في إسعاد غيرهم من دون مساومة ومن دون طلب.
كان هو أحد هؤلاء العظام الذين مروا في حياتي ومدوا أيديهم لي بعد أن عبر لعالمي من بوابة الإنسانية البحتة، التي كادت أن توصد أبوابها في وجه عالم يخوض في مستنقع من المادية والاستغلال.
كان رقيقًا ودودًا لأبعد الحدود، إن هذا الأستاذ الكبير الذي شرفني بقراءة مقالاتي وخواطري التي أقوم بنشرها بين الحين والآخر على صفحتي، جعله في لحظة يقرر تكريمي بإرساله طلبًا عاجلًا لصداقتي؛ لعله قرأ شيئًا من بين سطوري جعله يقرر أن يدعمني ويتواصل معي.
سارعت بالدخول على صفحته والشك يغمرني فاسمه الرنان في عالم الصحافة كأستاذ كبير لا يخفى على أحد، وكتاباته ألهمت العديد من طلابه والمتابعين له، تأكدت بالفعل أنه هو الذي أرسل لي طلبًا لصداقتي؛ قبلت على الفور وانتظرت كمن يتأهب لاستلام جائزة لم تخطر بباله، فأين أنا منه؟!
إنه العملاق الذي عمل لعقود في بلاط صاحبة الجلالة وعمل أيضًا مع وكالات أنباء عربية وأجنبية أيضًا، وما أنا إلا كطفلة صغيرة تدب بأولى خطواتها على الأرض، أحسست لحظتها أن الأقدار قد خبأت لي أجملها وأنا في بداية طريقي نحو عالم مجهول قررت اقتحامه والسير فيه بمفردي.
كان كل تعليق منه يتوجني، ويزيدني ثقة كبيرة بنفسي؛ فكلماته الرقيقة كثيرًا ما أسعدتني، وفي إحدى المرات أرسل لي برسالته التي قال فيها: "يعجبني أسلوب كتابتك الذي أراه متشابهًا إلى حد كبير مع أسلوب كتاب وأدباء عظام مروا بي في مجال عملي الذي قضيت فيه أغلب سنوات عمري".
شعرت حينها بأن أكسجين الهواء قد تجمع مخترقًا صدري فملأه بأكسير سعادة وبهجة وفرح، وددت أن أجمع كل عبارات الشكر كي أرسلها له كباقة زهر تحدثه عن مدى اعتزازي به وبرأيه الداعم لي وبإعجابه بكتاباتي، حلقت في سماء الكون في لحظة وعدت وأنا لا أكاد أصدق نفسي، فرحت أهزها لتستفيق فلعلها لحظة شرود ذهن مررت بها، ولعلني شيدت منها قلاعًا من خيال ومن وهم.
أبلغته بهذا الحديث الذي دار بداخلي، فعقب قائلًا: "إن عالم الصحافة لا يخضع لإطراء أو مجاملة ياعزيزتي"، أدركت أن الحياة ليست كما نراها أو نظنها قاسية إلى هذا الحد، فالناس جميعًا ليسوا سواء، وعسى أن يكون غدي أفضل من أمسي ويومي.
أرى الآن سؤالًا يلح عليكم ترى من هو، وما اسمه؟ كم وددت ذكر هذا إلا أنه طلب مني عدم الإفصاح عن ذلك، بنفس منطق المحسنين؛ فأفضل الناس من أعطى دون طلب، وأنفع الناس من ساند في صمت دون حاجة لدعاية أو صخب.