الدراما مرآة الشعوب والحضارات، بها تلتقي الأمم، وتُصدر الثقافة، وتتسلح القوى الناعمة لأي دولة. تؤثر الدراما في عقول وقلوب الملايين، وتخترق عوالمهم، وتترك أثرًا مباشرًا في نظرتهم لمختلف أمور وإشكاليات الحياة، مما يجعلها جسرًا يربط بين الشعوب، وأداة تنويرية أو ظلامية، ترتقي بالأمم إلى عنان السماء أو تهبط بها إلى أسفل سافلين.
ويظل هنالك سؤال مطروح بلا حسم، وهو ما إذا كانت الدراما لا بد لها أن تجسد الواقع المجتمعي بكل ما فيه من قبح أخلاقي و انحدار سلوكي وانحطاط فكري، أم أنه من الأفضل للصالح والنفع العام ألا تحتل هذه الآفات الصدارة، وأن تحل محلها القيم الفضلى والمبادئ الرفيعة والأفكار الرشيدة.
لا أختلف مع أهمية تعبير الدراما عن الواقع بكل مساوئه، ولكن لا يجب أبدًا، من وجهة نظري، أن يطغى هذا التوجه على ما ينتج من أعمال درامية، وأن يصبح هو العنوان الأبرز لما نقدمه في الداخل والخارج، والأحرى بنا أن نستغل هذه النافذة في غرس الأفكار المثمرة والقيم النبيلة في أطفالنا وشبابنا، وأن نبرز الجوانب الجيدة في مجتمعنا وندفعها للصدارة، ونصدر صورة إيجابية وجذابة لمصر بحضارتها العريقة وإرثها الثمين ومكانتها الكبيرة.
على صناع الدراما والقائمين عليها أن يعوا حجم الأثر الذي يتركونه في كل بيت وكل مُشاهد، وأن يعلموا أنهم يمتلكون قوة تأثير هائلة، وبالتالي يتحملون مسئوليات جسيمة في تشكيل الوجدان المصري بل والعربي.
أن تجمع الدراما بين الانتشار والنجاح الجماهيري من جانب، وتحقيق غاية سامية من جانب آخر، هذه هي المعادلة الصعبة التي أراها الأصلح والأفضل.
بعض الأعمال الفنية كان لها صدى إيجابي، ونجحت في تغيير الواقع، وحل بعض المشكلات المتجذرة في مجتمعنا من خلال تفاعل مؤسسات الدولة مع العمل والتصدي للمشكلة المثارة بقرارات تنفيذية أو تعديلات تشريعية، وذلك في رأيي أسمى هدف وأرقى غاية لأي عمل فني أو درامي.
وإذا نظرنا إلى تأثير وارتباط الدراما بالسياحة، وأخذنا تركيا نموذجًا، فسنجد أن تركيا هي ثاني أكبر دولة مصدرة للأعمال الدرامية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تُبث الدراما التركية في أكثر من ١٥٠ دولة، وتصل إيراداتها من إنتاج الدراما إلى مليار دولار سنويًا.
أظهرت استطلاعات الرأي المختلفة أن من يتابعون الدراما التركية تزداد احتمالية زيارتهم لتركيا عن أولئك الذين لم يشاهدوا هذه الأعمال، وبحسب الملحق الثقافي والإعلامي لتركيا في الإمارات، فقد ارتفعت أعداد الزائرين إلى الأماكن التي يتم فيها تصوير بعض الدراما التركية بنسبة ١٥ % منذ بدء عرض المسلسلات التركية المدبلجة.
نجحت تركيا في أن تغزو العالم ثقافيًا، وأن تبرز المقاصد السياحية التركية في مسلسلاتها المدبلجة ليشاهدها الملايين من كل أنحاء العالم. تضمن المحتوى الدرامي التركي ومضات من تاريخ تركيا الممتد وإرثها الثقافي الكبير وعاداتها وتقاليدها وطريقة الحياة بها، هذا بجانب التركيز على الطبيعة الساحرة والمناظر الخلابة، ولم تحتو الدراما التركية على مشاهد عنف مبالغ فيها أو أفعال خادشة للحياة، وبذلك استطاعت تركيا أن تسوق لبضاعتها على أفضل ما يكون، وتنعش صناعة الدراما والسياحة، وتدر دخلا من العملة الصعبة، والأهم أن تبوأت تركيا مكانة ثقافية مرموقة بين الأمم، وذلك كله بفضل الدراما.
في مصر نمتلك كل أدوات الريادة الثقافية وأسباب النجاح من حضارة عريقة وتاريخ مضيء ومقومات سياحية هائلة وخبرات إبداعية متراكمة وقامات فنية سامقة، وآن الأوان أن نحلق بالدراما المصرية نحو آفاق أرحب.
[email protected]