الحرب القذرة.. هل تدفع واشنطن فاتورة الدمار والشهداء؟

5-2-2024 | 22:14

لم تشهد المنطقة منذ أربعة عقود توترًا وأوضاعًا قابلة للانفجار كما هي اليوم، التصعيد على الجبهات المختلفة ينذر بالكثير من العواقب، والتي قد تعيد تشكيل خارطة وحسابات القوى الفاعلة حتى على مستوى العالم، فواشنطن التي كانت ضالعة بصورة كبيرة في الحرب الروسية الأوكرانية، التي تحاول الآن أن تنفض يدها عنها بعد توريط حلفائها والناتو، لا تزال غارقة مرة أخرى في الشرق الأوسط، ولكن هذه المرة بصورة مرتبكة وأكثر فجاجة، لتواجه رياحًا من الاتجاهات المحيطة، سواء بالتربص الروسي والصيني، واللتين رغم رفضهما لتوسيع نطاق الحرب ورفض الممارسات الإسرائيلية، لم تكن لهما آليات تترجم حجم الصراعات الممتدة والمكتومة مع واشنطن كقوتين فاعلتين وأقطاب مناطحة.

لكن أبرز ما تشير إليه الحرب التي بلغت شهرها الرابع، الوصول إلى نتيجة مفادها أحد أمرين، إما انكماش دور واشنطن في المنطقة، أو على العكس تمددها ومحاولة فرض سطوة جديدة، تقدم لها الآن بالموقف المزدوج في إظهار لوم الاحتلال الصهيوني بردات فعل ممجوجة للضغوط من قبل الداخل والمعارضة، واستغلال المساعي الدولية والعربية لوقف إطلاق النار، في بسط كثير من المباحثات لاكتساب الوقت مع التلويح بالموافقة على دولة فلسطينية بعد وقف إطلاق النيران بشروط أولها الإفراج عن جميع الرهائن لدى حماس، غير أن هناك أطرافًا هم جزء من اللعبة السياسية والمناورات، تعي هذه المماطلة، وتمارس مهامها بصورة المحاكاة تقريبًا، بمعنى أن الحرب طالما مستمرة، فإلى إشعار آخر لن تتوقف القلاقل مثل الهجوم على السفن من قبل الحوثيين، والتي ترى واشنطن ولندن ضلوع إيران في تلك العمليات، مع استمرار رشق المستوطنات الإسرائيلية وتل أبيب، والمناوشات مع حزب الله، ومؤخرًا أصداء الهجوم بطائرة مسيّرة على قاعدة في الأردن، الذي قُتل فيه ثلاثة من عناصر الجيش الأمريكي، وأصيب أربعة وثلاثون آخرون، وهي أول مرة يُقتل فيها عسكريون أمريكيون بنيران معادية منذ بدء الحرب من الكيان المحتل على قطاع غزة، وهو الهجوم الذي حمّل بايدن مسؤوليّته إلى فصائل مدعومة من إيران، وقد فاقم التوتّرات في المنطقة، وغذى المخاوف اتساع نطاق الحرب إلى صراع مباشر مع إيران، وبعد توعده بالرد أعطى بايدن الضوء الأخضر بتنفيذ هجمات انتقامية ضد سوريا والعراق، واستدعى العراق بعدها القائم بالأعمال الأمريكي لتسليمه مذكرة احتجاج بشأن الضربات، التي استهدفت مواقع للجيش وتسببت في مقتل 16 مدنيا وعسكريا، واعتبرتها بغداد انتهاكا لسيادة البلاد، في حين أعلنت واشنطن أنها لا تخطط لضرب إيران كرد على هجوم الأردن، ولتكن تلك الضربات العملية الثانية خلال أسبوعين بعد الهجوم الذي نفذته بالاشتراك مع بريطانيا على أهداف في اليمن بحجة الحفاظ مصالحها والملاحة في البحر الأحمر.
إذَا لا يزال الموقف الأمريكي يتعرى وسياسة الكيل بمكيالين، بعد الاعتراض الدائم على مجرد وقف إطلاق النار والذي سبقه ولا يزال مستمرا إمداد الكيان المحتل بجميع أنواع الأسلحة، وعلى الجانب الآخر نفورها ودفاعها بالهجمات والرد على كل تهديد موجه لها أو الكيان، الذي لا تزال حكومته المتطرفة تعمل أيضًا على إطالة أمد الحرب التي كانت خاسرة باعتراف مواطنيه وبعض أصوات المعارضة، التي تفهمت محاولة رئيس الوزراء المتطرف للبحث عن مخرج من مآزقه الحالية والسابقة، على الرغم من تكبد الخسائر في الأرواح والعتاد، وإعلان جيش الاحتلال كل يوم مقتل جنود وضباط في المعارك، فمنذ يومين أعلن عن مقتل ثلاثة ضباط جنوب قطاع غزة، اثنان يحملان رتبة رائد، وآخر نقيب قائد فصيلة في الكتيبة 8111 باللواء الخامس، وقبلها مقتل أربعة جنود آخرين، ليرتفع عدد القتلى من الجنود والضباط في غزة، منذ بدء العملية العسكرية إلى أكثر من ثلاثمائة ضابط وجندي بحسب بياناتهم، أي أن العدد أكبر من ذلك أضعافًا.
ومع تجدد المشاهد المحيطة ووجود جديد على مستوى المواجهات الإقليمية، لكن استطاعت أمريكا مع حكومة نتنياهو أن تثبت مشهد استمرار الحرب غير المسبوقة في ضراوتها على غزة، بل إن مسئولين في جيش الاحتلال ومحللين إسرائيليين أفادوا بأن أمد هذه الحرب طويل وقد لا تنتهي حتى في 2026، إذ يستمر القصف وارتفعت معه عدد الشهداء بعد أربعة أشهر من الحرب إلى نحو ثلاثة آلاف شهيد، وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين، مع استمرار الدمار الشامل للأخضر واليابسة في جميع مدن وقرى القطاع من خان يونس وجباليا والنصيرات ودير البلح، وغيرها، واستمرار الدفع إلى نزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى رفح على حدود القطاع مع مصر، فإلى أين يتجه مؤشر الحرب؟ ومن سيدفع فاتورة الدمار والشهداء؟

كلمات البحث