هل تعنى أننى سوف أصبح قادرًا على منع حدوث الأزمات؟ وإن حدثت رغمًا عنى فلن يكون تأثيرها كبيرًا؟ هل تقصد ذلك حقًا؟ حسنًا.. هاتِ ما عندك أرجوك... هذا هو ما اعتدت سماعه إذا انطلق لسانى بالحديث حول موضوع إدارة الأزمات، في لحظة واحدة أجده وقد نال اهتمامًا كبيرًا من الجميع، بل ورغبة شديدة في معرفة المزيد والمزيد عن ذلك الأمر، ولا أبالغ إطلاقًا حين أصف الفرحة التى أراها في عيون من حولى؛ وكأن السماء قد ألقت إليهم بالحل السحرى لجميع مشكلاتهم.
إدارة الأزمات!.. لا هموم ولا تعقيدات إذن بعد اليوم.. يالها من معجزة!!
شعور لا يوصف يدفعك دفعًا لبذل كل ما تستطيع من جهد لتحقيق حلم هؤلاء المعذبين في الأرض. لكن العجيب والغريب أن يمر الوقت وتكتشف أن هذا الاهتمام العظيم "العنيف" لم يكن إلا اهتمامًا مؤقتًا "وليد اللحظة"! أقول ذلك لأننى لم أجد حرصًا من الكثيرين - وبشكل خاص من أتيحت لهم فرصة حضور دورة تدريبية حول إدارة الأزمات - لبذل مزيدٍ من الجهد للتعرف على ذلك العلم عن قرب، كل ما يحدث أن تنتهى الدورة ويعود الجميع إلى بيوتهم وأعمالهم، وكأن شيئًا لم يكن! ولا يستغرق حلم منع حدوث الأزمات أو النجاح في إدارتها وتجنب نوائبها إلا ساعات معدودة ثم يفيق الجميع على منغصات الحياة المكشرة عن أنيابها، على حد قولهم وتبريرهم.
موقف متكرر يؤكد بمنتهى القوة والحسم أنه رغم توافر تدريس إدارة الأزمات لدينا بشكل كبير، إلا أننا ما زلنا نفتقر إلى ما هو أهم، نفتقر إلى ثقافة "إدارة الأزمة". وطالما تحدثنا عن "الثقافة" فلابد وأن نقر ونعترف ونتفق على أن الثقافة لا تأتى في يوم وليلة، إن نشأة الثقافة أو تغييرها في مجتمع ما يعتبر عملية طويلة الأجل لأننا – ببساطة – نحاول غرس سلوك جديد أو ربما تغيير سلوك اعتاد الناس عليه سنوات طويلة فأصبح من الصعب عليهم قبول ما يخالفه.
ولذلك سوف يحتاج الأمر إلى وقت كافٍ حتى يتم المراد ويعتادوا السلوك الجديد. إذا اعتاد الناس معالجة مشكلاتهم في اللحظات الأخيرة، أو بمعنى آخر انتظار حدوث الأزمة، أو أن يفكروا فيها مبكرًا لكن دون إعداد واستعداد، لن يكون من السهل إقناعهم بالاستعداد المبكر وإعداد السيناريوهات ومراقبة عوامل الإنذار المبكر ومتابعة شواهد الأزمة ورصد تاريخ هذا النوع من الأزمات.... إلخ من متطلبات إدارة الأزمات. هم ببساطة لم يعتادوا ذلك ورغم أنف الجميع لم تتوقف الحياة، لماذا يغيرون أنفسهم إذن؟ لذلك سوف يحتاج الأمر وقتًا لإقناعهم أن الحياة يمكن أن تكون أفضل كثيرًا مما هى عليه إن بذلوا بعض الجهد لتفادى الأزمات.
لذلك أعتقد أن التدريب على "إدارة الأزمات" منذ الصغر - سواء في المدرسة أو المنزل - هو الحل المناسب والوحيد، إذا أردنا الحصول على أجيال قادرة على التعامل مع الأزمات؛ سواء الشخصية أو العملية بثبات وعلى أسس سليمة، تديرها بشكل تلقائي وطبيعي، لأنهم تعلموا وتدربوا على ذلك منذ صغرهم فانطبعت تفاصيل الحكاية بداخلهم وباتت جزءًا لا يتجزأ من شخصيتهم.
بدأت حكايتى وتعرفي وتعلقي بموضوع إدارة الأزمات أثناء دراستى لها في أكاديمية ناصر العسكرية العليا على مدى ثلاثة أشهر كاملة، وفر لنا فيها ذلك الصرح العلمى الكبير أساتذة على أعلى مستوى من العلم والكفاءة والتميز، إضافة إلى الزيارات الميدانية والتدريبات العملية المكثفة التى رسخت الموضوع بداخلنا، فكانت تلك الدورة سببًا رئيسيًا في انشغالى بموضوع إدارة الأزمات والتعمق في دراسته ثم تدريسه بعد ذلك.
كان يقينى أن الدراسة في الأكاديمية قد لا تتاح للكثيرين، وحتى إن أتيحت فلن يكون كل شخص قادرًا على نقل المعارف التى تعلمها إلى الآخرين. وسألت عقلى فأصغى ثم فكر ثم قال: ولم لا؟ طالما أن خبرتك تؤهلك لنقل ما اكتسبته من علم وخبرة في هذا المجال إلى أكبر عدد من الزملاء، فلم لا تفعلها؟ اذهب وحاول أن تنظم دورات تدريبية حول إدارة الأزمات في كل الأماكن التى يتاح لك فيها ذلك، ولا تبتئس إن أتاحوا لك فترات قصيرة قد تراها غير كافية لتقديم هذا العلم - الذى تطلب تقديمه لك بشكل جيد في الأكاديمية مدة ثلاثة شهور - استفد من المتاح واعتبرها فرصة للفت نظر المتدربين إلى أهمية الموضوع، اعتبرها خطوة على الطريق سوف تليها خطوات كثيرة يتعرفون خلالها على الموضوع أكثر فأكثر.
يجب أن يدرك كل من يسمع عن موضوع إدارة الأزمات للمرة الأولى أن الأزمة هى أمر يمكن أن يحدث في أى لحظة وأى مكان، وأن معظم الأزمات المحتملة ترتبط بشكل كبير بالشخص والظروف المحيطة به، وبالتالى يمكن وضع سيناريوهات للتعامل معها عند حدوثها، بل يمكن وضع سيناريوهات لتجنب وقوعها، وهو الأمر الأساسى الذى يبتغيه علم إدارة الأزمات في المقام الأول... أى تجنب وقوع الأزمة أو القدرة على التعامل معها في حال حدوثها.
من الأمور المهمة التى لفتت نظرى في هذا الصدد أن المادة العلمية الخاصة بإدارة الأزمات ليست من السهولة بمكان في بعض جوانبها، فوجدتنى أميل بشدة إلى تقديمها بأسلوب بسيط مناسب لكل من يرغب في التعرف على الموضوع، فانطلقت أعد وأجهز لأقدم تلك المقالات على بوابتنا الغالية "بوابة الأهرام" لكل من يرغب في تغيير نمط حياته وتطوير قدراته ومهاراته في مجال التعامل مع الأزمات، والله الموفق.