تجديد الحوار الوطني

31-1-2024 | 13:53

في شهر أغسطس الماضي، وتحت عنوان "مؤسسة الحوار الوطني" كتبت في "بوابة الأهرام" أطالب باستمرار الحوار الوطني، وكان هاجسي أن الحوار يجب ألا يتوقف بعد جولة واحدة، مهما أدت إليه من نتائج، لأنها ما زال أمامها الكثير، وأنه في كل الظروف والأحوال لا ينبغي أن يتوقف الحوار، أو أن تُطلق الأفكار مهما عظمت لمرة واحدة وإلى الأبد، خصوصًا أننا لا نعيش ربيعًا حزبيًا، يمكن أن نواصل في ظله طرح المقترحات والمشروعات الداعمة للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمنافسة في الأفكار والخطط لجذب الناخبين. 

وكان من أسبابي أن الحوار لم ينته من كل الأعمال المنوطة به في بضعة أشهر، وهي كثيرة، سواء من جهة الدولة أو الرأي العام، وأن الحوار فتح نافذة عريضة، وإن ضاقت عند البعض، لمناقشة وتبادل الرأي وتلاقح الأفكار. والأكثر من ذلك أن المشاركين في الحوار تمكنوا من الحديث والتوصية في مجالات سياسية، واقتصادية، ومجتمعية تهم المواطنين، كما وجدوا استجابات بدرجة ما من السلطة السياسية والتنفيذية. 

ومما لا شك فيه أن الحاجة إلى الحوار لم ترض النهم الوطني في الجولة الأولى، وإن حققت الفكرة نجاحًا كبيرًا، وأن استمرار الحوار في تصوري سيكون في جولته المقبلة، أكثر فعالية، بل الحاجة إليه في ظل الظروف الصعبة في الداخل والتحديات الهائلة في الإقليم أكثر وأبعد مما كنا نحتاج في الجولة الأولى. 

ولقد تمكن الحوار من الصمود طوال الوقت بسبب إدارته الواعية والطريقة التي وصل بها عبر وسائل الإعلام، على الأقل للمهتمين بالشأن العام. كما أنه استطاع جمع كيانات سياسية واقتصادية مختلفة الفكر والمآرب، وأوصل صوت أحزاب كثيرة غير معروفة في الشارع إلى الرأي العام، ولدينا في مصر أكثر من ثمانين حزبًا، شارك منها في الحوار خمسة وستون حزبًا. وتمكنت إدارة "الحوار الوطني" من إقناع الجميع بأنه ليس جهة تشريعية أو تنفيذية، وإنما جهة رأي ومشورة، وأنه سوف ينتهي إلى توصيات لا قرارات، قد تأخذ بها الحكومة، وتضعها على طاولة التنفيذ، أو تأخذ بها علمًا فحسب. 
ماذا أنجز الحوار.. 
تمكن الحوار من تهيئة حالة من الحوار المشترك بين تيارات سياسية وفكرية مختلفة.. فَعَّل عمل لجنة العفو الرئاسي ما أدى إلى خروج عشرات من المحكوم عليهم والمحبوسين.. كما أوصت لجنة حقوق الإنسان ضمن مهام المحور السياسي بالقضاء على التمييز، وإطلاق الحريات الأكاديمية والبحث العلمي.. وطلبت لجنة الصناعة ضمن أعمال المحور الاقتصادي بإعادة تطوير وتخطيط المناطق الصناعية القائمة ومراجعة الفجوة التصديرية. هذه الفجوة الواضحة للعيان في حاجة لأدوار جديدة ومزيد من الاهتمام والدقة والمتابعة، من لجنة الصناعة في الجولة الجديدة من الحوار.. وفي لجنة الزراعة أوصى المشاركون بتوفير مستلزمات الإنتاج والتسعير ودعم الائتمان والديون، إلى آخر التوصيات المنشورة في العديد من المواقع.

ربما حالة الحراك المشهودة في الحوار دعت الرئيس السيسي إلى قرار استئناف جلسات الحوار الوطني وذلك عقب إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية. وكان أن فكر مجلس أمناء الحوار البدء من خلال المحور الاقتصادي، وهو القرار الملائم من حيث أن الحالة الاقتصادية الحالية هي الأولى بالرعاية من كل الأفكار الأخرى. فقد أصبح المواطن المصري في مواجهة تحديات اقتصادية غير مسبوقة، في أسعار السلع والخدمات، وسعر الصرف في السوق الموازية، وهي السوق التي تقود الشارع المصري إلى الجنون، وعدم اليقين. 

أما الحوار هذه المرة، ولكي يكون مقنعًا للرأي العام، الذي كان يريد حراكًا سياسيًا وقد حدث، ونقاشًا، وأفكارًا وقد طرحت، سيكون من الأفضل هذه المرة أن تتحول توصياته إلى خطة عمل فورية، وأن تتبناها الحكومة وتضع لها خريطة تنفيذ معلنة، أو تشريعات تجد طريقها إلى مجلس النواب، شريطة أن تحترم عقول الناس من جهة، وتقنعه بالمشاركة في دعمها. 

ولأن مؤسسة الحوار الوطني مفتوحة، فيجب تجديده لإتاحة ضم مشاركين جدد لم يتمكنوا من الانضمام في الجولة الأولى، وأن تراجع، وهي تستأنف عملها، ما تم تنفيذه من توصياتها وما لم يتم ولماذا، وربما أيضا تقوم بالمراجعة مع كشف حساب عن أعمالها، وعما ستقوم بأدائه من أعمال في الفترة المقبلة، وأن يجدد الحوار آلية عمله ونظام وأسلوب إدارته، لأن الرأي العام لن يهتم إذا ما استمر الحوار بنفس الوتيرة. 

إن ما عبرت عنه الجولة الأولى للحوار هو القدرة على تشكيل منتدى يضم قوى مجتمعية متنوعة، استطاعت حصار الخلاف، وانتقلت إلى ما يمكن التوافق حوله، وأهم ما يمكن أن تعبر عنه وتنتجه الجولة الثانية هو وضع أولويات لفصل جديد من العمل الوطني ودعم التخطيط له، وتنفيذ مقترحاته وتوصياته، ليعرف الرأي العام أن المسألة جدية، ومهمة إنقاذ، تستهدف علاج القصور وحماية الذات والدفاع عن الأمن القومي إزاء التحديات المتعددة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة