Close ad

"زوبعة في فنجان"

28-1-2024 | 18:20

كنا نختلف كثيرًا وتتشابك رؤانا، تتعقد وتتعثر أمام أغلب الأمور التي تمر بحياتنا، نفقد أثرنا ونوئد قواعد ونظريات تؤكد إمكانية استيعابنا لبعضنا البعض، فتسطر مواقفنا العنيدة المستحيل ذاته على جباهنا وبداخل أعيننا، كأننا خلقنا من خلاف لاحدود له، فنهب بعدها نبني جدارًا عازلًا ليفصل بيننا؛ مظنة منا أنه سوف ينجح في اقصائنا عن قضايانا الخلافية التي تطرأ علينا وتسكن في ساحتنا لتطبع بخاتمها البغيض على أيدينا وتنقشه في قلوبنا بنجاح.

تنحت ملامحها الممتلئة شرًا لتثبت على أجسادنا كخطوط وشم من نيران تعذبنا وتشوه أرواحنا، معارك عديدة دارت بيننا ترفعنا تارة، وتارة أخرى تنزل بنا، جدل وضجيج يلاحقه فوضى ورفض بلا هدف لكل محاولات فض الاشتباك بيننا، فيضان عنادنا العارم يدفعنا نحو المزيد من الإصرار والمكابرة التي لا تخضع لمعايير ولا تقبل اعتذارات ونمضي في طريقنا مسلسلين بأغلال أفكارنا.

يتدخل بعض المقربين منا باحثين عن نقاط مضيئة تجمع بيننا لعلها تتخللنا وتخفف عنا حدة توترنا، يملأهم الأمل في إيجاد نقاط مشتركة بيننا، يتحدثون ويملأون الدنيا كلامًا؛ رغبة منهم في إقناعنا بتهدئة ثورتنا والعودة للحديث الذي غادرنا منذ زمن بعيد، يذكر أحدهم أن ما يدور بيننا الآن ليس بالشيء العظيم بل إنه يشبه زوبعة صغيرة تدور داخل فنجان ما تلبث أن تمر وتنتهي عما قريب بسلام. 

كانت الصورة واضحة وكان الصراع كبيرًا وإن كان هناك نجاح حقيقي قد أنجزناه معًا فسيكون نجاحنا هو الثبات على مواقفنا والتمسك بآرائنا رافضين التنازل من أجل استمرار الحياة، ليتنا رأينا مايمر بنا كما رآه غيرنا بسيط قليل لاوزن له ولا قيمة، لا يحدث ضررًا ولا يترك أثرًا ليتنا شاهدناه بأعينهم مثلما وصفوه لنا بقولهم عنه: "زوبعة في فنجان". 

كثير من القصص التي رويت علينا من أصحابها أو من أناس كثيرين لانعرفهم أنفسهم ولايعرفوننا، نصادف يوميًا تلك الظاهرة الجديدة التي استوطنت مجتمعنا؛ ظاهرة نفاد الصبر والاحتمال، نفاد الحلم الذي كان في مقدوره أن يهدم ممالك وأن يشيد جبالًا، نبذ الشعور بالرضا قدر المستطاع مخافة من وصف بضعف أو استسلام، دعوا الأمور تعبركم أو فاعبروها أنتم، فما هي إلا كما قالوا عنها: "زوبعة في فنجان".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة