في محاولة لمعالجة قضية الثأر من جذورها شهدت الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي ورئيس مجلس إدارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية واللواء أشرف الداودي محافظ قنا، إعلان نتائج بحث تحت عنوان "جرائم الثأر في صعيد مصر.. آليات التدخل وسبل المواجهة"، بحضور الدكتورة هالة رمضان مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، والدكتور أحمد عكاوي رئيس جامعة جنوب الوادي، وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ عن المحافظة، ولفيف من ممثلي الجهات الوطنية المعنية بالقضية.
موضوعات مقترحة
استهدف البحث دراسة قضية الثأر في صعيد مصر من مختلف الجوانب القانونية، والاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية، والإعلامية، حيث تم إجراء الدراسة على ثلاث فئات؛ الأولى ممثلة للجمهور العام بمحافظات "المنيا، سوهاج، أسيوط، وقنا"، والفئة الثانية ممثلة في أطراف النزاعات الثأرية، أما الفئة الثالثة فهي ممثلة عن الجهات الوطنية ولجان المصالحات
وزيرة التضامن الاجتماعي، قالت: إن الثأر يعد نوعًا من الانتقام الذي تنظمه أعراف محلية ترتبط ببنية اجتماعية قبلية ، حيث تهدف الأسر الثأرية منه إلى رد اعتبار القبيلة أو العائلة، وكأن الثأر يرد لها كرامتها ويحافظ على صورتها الذهنية لدى كافة المواطنين، وبالتالي يترك آثارًا سلبية مثل الفزع وانعدام الأمن المجتمعي بين الناس، بل يمكن أن يقطع صلتهم بالحياة العامة والنظام المدني الذي يحكمه القانون.
وأكدت لابد أن تأتي إرساء ما يعرف بمبدأ "سيادة القانون" وسيادة الدولة على كافة المواطنين، والتخلي عن صور العقاب الفردي التي تقوم على العادات والتقاليد والنزاعات الشخصية لأصحابها، حيث أن هذه المعتقدات ترسخت عند بعض الأسر حتى أصبح من الأيسر عليهم ارتكاب الجريمة التي يجرمها المشرع احترامًا للتقاليد التي تقضي بارتكابها،واعتبروه مكونًا من مكونات الكرامة، ودافعًا من دوافع البقاء، وقد رسخ من هذا ارتفاع نسبة الأمية وسيطرة الأعراف التي تخالف الطبيعة البشرية، كما هيأت الطبيعة الجبلية والزراعية في صعيد مصر المناخ أمام الجناة ليواصلوا تواجدهم ويمارسون نشاطهم، ولكن مع اهتمام السلطة المركزية بالتنمية والتقدم في كافة قطاعات الجمهورية يبقى الأمل موجودًا في اقتلاع تلك الأعراف والتقاليد.
وأوضحت وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة نيفين القباج ، أن الدولة المصرية بكافة مؤسساتها تعمل في الآونة الأخيرة على تحقيق نهضة تنموية مستدامة في كل ربوع الجمهورية، ويحتل صعيد مصر اهتمامًا خاصًا من خطط التنمية؛ نظرًا لما يمثله ذلك في القضاء على كافة مشكلات الوعي التي عانى منها الصعيد في فترات سابقة وتبتغي الدولة المصرية من تلك النهضة التنموية أيضًا تغيير بعض الثقافات والعادات والتقاليد التي تقف حائلًا أمام سبل التنمية وأبرزها عادة الأخذ بالثأر، والتي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على على رأس المال البشرى الذى يعد اللبنة الأولى لأى نهضة تنموية. والسؤال : كيف يتم مواجهة تداعيات هذه القضية على المجتمع خصوصا في الصعيد ؟ وكيف يتم تحويل مخرجات هذه الدراسة غلى برامج عمل تحد من هذه الظاهرة ؟
جرائم الثأر تسبب عدم الاستقرار وتؤثر على خفض معدلات التنمية
بداية يقول الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد والاستثمار والتمويل الدولي، ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، أن ارتكاب جرائم الثأر تعد بالفعل من عوائق التنمية في الصعيد، حيث إن القاعدة الأساسية تقول أن التنمية تعني استقرار، وبالتالي الشخص الذي يوجد عليه ثأر لن يتمكن من العيش في القرية بحريته وبكامل طاقته، فيضطر للهروب من بلدته، لأنه لا يستطيع المواجهة وبالتالي تفقد القرى في الصعيد أفرادها وبالتالي ينخفض الإنتاج وتنخفض معها إنتاجية المحاصيل الزراعية، وبذلك يتحول تفكير الجميع إلى الإنتقام، وكل ذلك يؤثر على العملية الإنتاجية حتى ولو كان عاملا في مصنع لن يتمكن من الإنتاج نتيجة العيش المستمر في خوف ورعب نتيجة التركيز في الثأر فقط وليس الإنتاج، وبالتالي فإن التنمية هي مجموع النواتج المحلية للأقاليم وبالتالي ينعكس على خفض الناتج القومي.
الدكتور رشاد عبده
المصالح بين العائلات تؤثر على التنمية في الصعيد
ومن جانبها تقول الدكتورة هالة منصور أستاذ علم الإجتماع بجامعة عين شمس، أغلب جرائم الثأر تتعلق بالخلافات فى المصالح الاقتصادية بين العائلات، أو نزاع على منصب العمدة أو غيره، أو عبر خلافات اجتماعية تتعلق بالشرف، أو المعايرة، قد تجلب صراعات ثأرية لا تنتهى بين العائلات، والجديد فى جرائم الثأر هو دخولها إلى مجال الجريمة الإلكترونية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من خلال نشر صور وأخبار وشائعات عن فرد من عائلة ما من شأنها إشعال نيران الثأر بين العائلات وتدمير السلم الاجتماعى.
الدكتورة هالة منصور
"وأوضحت أن أغلب الأبحاث الاجتماعية فى مجال الثأر تشير إلى أن المرأة تلعب دوراً محورياً فى نظام الثأر، من خلال التنشئة الاجتماعية للذكور وتربيهم على مبدأ أن الرجولة تعنى القدرة على الأخذ بالثأر، وضرورة أن يتعلم الشاب الذكر حمل السلاح وإجادة استخدامه، وهنا تلعب الأمثال الشعبية، التى ترددها الأمهات والجدات حول أهمية الأخذ بالثأر والعار الذي يلحق بالرجل الذي لا يأخذ ثأره، الذخيرة الأساسية لحث الرجال على ارتكاب الثأر دون تردد.
وأكدت الدكتورة هالة منصور، أن جريمة الثأر تترك وراءها آثارًا كارثية، أهمها الفقر والتفكك الأسرى وترمل الزوجات، وفقدان الأمهات لفلذات أكبادهن، ويزداد معها انتشار انحرافات وجرائم أخرى مثل تجارة السلاح بكافة أشكاله، كما تؤدى جريمة الثأر إلى انسحاب الفرد ودخوله إلى دائرة الثأر، مما يجعله يهمل مستقبله ويتخلى عن مسؤولياته تجاه المجتمع، كما تهدد هذه الجريمة المجتمع كله وتنشر فيه الفوضى والارتباك والعنف، وهو مناخ لا يشجع، بأى حال من الأحوال، على التنمية والاستثمار.
مبادرات منظمات المجتمع المدني
وتشير الدكتورة هالة منصور، أنه من أجل حقن الدماء والحفاظ على التنمية واستقراره، نجد أن الحكومة والمجتمع والجامعات ومنظمات المجتمع المدنى أولت قضية الثأر أهمية خاصة وشجعت كل المبادرات التي من شأنها الحد من هذه الجريمة واقتلاع جذورها من الأساس، من خلال صور التدخل من الدكتور علي جمعة والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، و جهوده التى لا تقدر بثمن لنزع فتيل الفتن وحفظ دماء العائلات، وقيامهم بكثير من المبادرات و المصالحات العرفية التى تحدث لحقن الدماء وإشاعة ثقافة السلام بين العائلات، وكافة الأنشطة والفعاليات التي تخدم العائلات المتصارعة دينياً وثقافيا ومعيشيا، إلا أنها ترى أنه ينبغى بذل المزيد من الجهد فى مجال الحماية الوقائية من نظام الثأر الاجتماعي والقيمى، أي بذل الجهود الاستباقية للحيلولة دون تورط الأفراد والعائلات فى جريمة الثأر.
أسباب إنتشار الثأر
وتوضح الدكتورة هالة منصور أن من أسباب إنتشار الثأر وتحديدا في الصعيد، أنه تنتشر لعنة الثأر في إقليم صعيد مصر خصوصاً، جنوب البلاد، بسبب قناعة المجتمع الراسخة بضرورة الأخذ به، حتى ولو كان القتل حدث عن طريق الخطأ في بعض الأحيان. ولذلك يصنّف الثأر كونه "ميراث الجاهلية الأولى"، و"الثأر هو أن يقوم أولياء الدم من أهالي القتيل بقتل القاتل نفسه أو أحد أقاربه انتقاماً لأنفسهم من دون اللجوء إلى القضاء لاسترداد الحقوق وتنفيذ القصاص الأمر، الذي يجعل المعركة سجالاً مستمراً بين العائلتين ما يسفر عن عشرات الضحايا".
"والسبب الأخر لانتشار الثأر، هو المعايرة وهي تعد من أسباب انتشار تلك العادة الخبيثة التي تهدد استقرار المجتمع في جنوب البلاد، في العائلة التي ترفض الأخذ بالثأر وتلجأ إلى القضاء هي عائلة ضعيفة أصابها العار طبقاً لأعراف صعيد مصر، كما تشهد قبائل الصعيد تنافساً ومفاخرة في ما بينها بالقوة والوجاهة والغلبة، الأمر الذي يجعل تلك العادة ساحةً لاستعراض القوة وامتلاك السلاح والانتقام الغاشم في كثير من الأحيان"وللأسف كان هناك تخاذل تجاه عادة الثأر على مدار 30 سنة.
القصاص عبر الجهات المعنية
ويقول الدكتور علي مصطفى علي من علماء الأزهر الشريف، الإسلام شرع القصاص لكن عبر الجهات المعنية وولاة الأمر؛ أما أن يتعدى هذا على هذا بغير نظام شرعي ، وبغير أمر شرعي فهذا لا يجوز ، لأنه مفضٍ إلى الفساد ، وإلى الفتن وسفك الدماء بغير حق ، فلا بد من القصاص بشروطه المعتبرة، وهي ثبوت القتل وفي ثبوت المكافأة ، بأن كان القتيل مكافئاً للقاتل.
الدكتور علي مصطفى علي
"ثم يكون ذلك عن طريق ولاة الأمور في البلد حتى لا يحصل الفساد والفتنة ، أما كون الناس يأخذ بعضهم الثأر من بعض ويقتل بعضهم بعضاً من دون بصيرة ومن دون ولاة الأمور ومن دون ضبط للواجب ، فهذا لا يجوز ، لأنه يفضي إلى فساد كبير.
ويضيف الشخ علي مصطفى علي ، أن الإسلام حريص أشدَّ الحرص على حماية الحياة الإنسانية واعتبارها مقصدا شرعيا، وتم تحريم الاعتداء عليها، وتم توعد المعتدب بالوعيد الشديد؛ لأن الإنسان هو الله تعالى في الأرض، ويلعن من هدمه .
وقد قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
وقد روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذَكَر الكبائر، أو سُئِل عن الكبائر، فقال: «الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وقول الزور»، وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»
وروى الترمذي وحسَّنه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَجِيءُ المقتولُ بالقاتلِ يومَ القيامة: ناصيتُه ورأسُه بيدِه وأوداجُه تَشْخُبُ دمًا، يقول: يا رَبِّ، قَتَلَنِي هَذَا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ الْعَرْشِ».
كما روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم اللهُ في النار».
وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».
كما روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "إنّ مِن وَرَطاتِ الأمور، التي لا مَخْرَج لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيها، سَفْكَ الدَّمِ الحرام بغير حِلِّه"، إلى غير ذلك من النصوص الدينية التي تُبين بَشاعة هذا الجرم، ووعيد مرتكبه وعقوبته الأخروية عند الله تعالى.
القصاص من القاتل
وفي سياق متصل يقول الدكتور علي مصطفى عل، أنه في الأحكام الدنيوية فقد رتب الشرع الشريف عقوبةً صارمة على القتل العمد، وهي القصاص من القاتل؛ جزاء وفاقًا لما اقترفته يداه، ومع القتل العمد إن عفا أهل القتيل أو أحدهم عن القاتل سقط القصاص عنه ووجبت عليه الدية؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
" وقد راعى الشرع أيضًا بعقوبة القصاص نفسية أهل المقتول التي تفور بالألم والرغبة في مكافأة دم صاحبهم، ولم يفرض عليهم التسامح فرضًا، بل جعله خيارًا مُرَغَّبًا فيه، يثاب فاعله ويؤجر عليه، وقد نبه المشرع أيضا وجوب مراعاة العدل عند استيفاء القصاص، والعدل هنا يشمل أمرين:
الأول: ألا يتجاوز إلى تعذيب القاتل قبل إنفاذ الحد فيه أو التمثيل بجسده بعده، والثاني: ألا يتجاوز إلى قتل من لا ذنب له ممن له علاقة بالقاتل بقرابة ونحوها؛ فقال تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}، والمعنى المستفاد من الآية الكريمة تجريم لصورة من صور الثأر؛ الذي يُنتَقَم فيه لدم القتيل بقتل أحد من قرابة القاتل، وهذه عادة من عادات الجاهلية التي جاء الإسلام الحنيف ليقضي عليها؛ فكان إذا قُتِل منهم قتيلٌ لم يكتفوا بقتل قاتله، بل تعدوا إلى أهله وعشيرته، حتى تبقى بينهم الحروب الطاحنة من أجل ثأرهم، وكان يعرفون بالعصبية القبلية.
ولا شك أن الأخذ بالثأر على هذا الوجه فيه اعتداء عظيم على النفوس المعصومة، وأخذها بجريرة غيرها، فالمقتول يُقتَل وليس له ذنب يُعاقَب عليه ولا جريرةٌ يُؤخَذُ بها؛ والله تعالى يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، ؛ وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها "لَا يؤخذ أحد بذنب غَيره، وهنا يقول سبحانه {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}، وكذلك فإن القاعدة الشرعية تقول: إن الضرر لا يزال بالضرر
" فإذا كان أهل المقتول قد تضرروا بقتل قريبهم، وأصابتهم المرارة ولحقتهم الأحزان، فلا يعطيهم هذا مبررًا مقبولا في أن يداوموا مرارته بإلحاق الضرر بالأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا جريرة فيما وقع للمقتول.
كما أن هناك مفسدة أخرى في ممارسة عادة الثأر بشكل عام، وهي التعدي على ولي الأمر في شيء من صلاحياته التي رتبها له الشرع وفوضه فيها دون غيره، وهو الاختصاص باستيفاء العقوبات ، ويعتبر التعدي على ولي الأمر ممنوعٌ محرمٌ؛ لأنه نوع من التعدي على حقه بمزاحمته فيما هو له، هذا من جهة، وتَعَدٍّ على إرادة الأمة التي أنابت حاكمها عنها في تدبير شؤونها من جهة أخرى وبالتالي ينعكس بالضر على المجتمع باكمله .
" لذلك لابد من إقامة العقوبات في العصر الحاضر في ظل دولة المؤسسات إنما تناط بجهة محددة تُسنَدُ إليها؛ وهي السلطة التنفيذية، وهذه الجهة لا تستطيع أن تُنَفِّذَ عقوبةً ما إلا بعد أن تَبُتَّ فيها الجهة المختصة بالسلطة القضائية؛ فتقوم بالنظر في الواقعة المعينة، وتستوفي فيها الأدلة والقرائن، وتستنطق الشهود، وتنظر في الملابسات والظروف المحيطة، ثم تقضي بعقوبة مخصوصة فيها، وهذه الجهة بدورها لا تستقل بعقوبة لم يُنَصّ عليها في القانون المعمول به في البلاد، والذي تقوم على اختياره وصياغته الجهة المختصة بالسلطة التشريعية، حتى لايقود المجتمع إلى الفوضى وإلى الخلل في نظامه العام، وحتى لاتنتشر الفوضى والجور والاعتداء على الأنفس المعصومة بغير حق شرعي.