لا يوجد طوفان بالكون بلا خسائر؛ نبدأ بخسائر غزة وفلسطين، فلا شيء بالكون يعادل خسارة إنسان، ولا تعرضه للإصابة والترويع الذي لم ينج منه أحد في غزة خاصة؛ فالقصف الانتقامي المجرم طال كل غزة بمبانيها ومؤسساتها ومساجدها ومدارسها ومستشفياتها وكل بنيتها الأساسية، وشعر الجميع بالترويع بدرجات متفاوتة وتألم الجميع لفقدان الأحبة الذين استشهدوا ورؤية عشرات الألوف من المصابين الذين لا يجدون أبسط العلاج حتى اضطر طبيب لبتر ساق ابنة اخته في مطبخ بيته وبلا مخدر، فضلا عن موت الأطفال الخدج لعدم توافر الوقود لتشغيل الحضانات.
بدأنا بخسائر غزة لنؤكد احترامنا لكل نقطة دم طاهرة..
أما المكاسب فمنها إجهاض خطة وأد قضية فلسطين ودفنها، ودفن الشعب الفلسطيني وهم أحياء، وإنهاء سياسة فرض الأمر الواقع، والتوقف عن ترديد أكذوبة أن الصهاينة سيسمحون يومًا بدولة فلسطينية؛ ورأينا "صلف" نتنياهو وحكومة الحرب في إعلان الرفض الحاسم لفكرة إقامة دولة فلسطينية، وتكذيب ما ادعاه الرئيس الأمريكي بايدن عن موافقة نتنياهو على السماح بدولة فلسطينية بعد إعلان بايدن بساعات.
من المكاسب أيضًا انتهاء أكذوبة بيع الفلسطينيين لأرضهم، ورأى العالم كله صمودهم المذهل والعيش فوق الأنقاض، وتحديهم لأبشع تدمير لكل مقومات الحياة وللجوع والعطش والتهجير والنزوح الإجباري عدة مرات، وتحمل ما لا يتحمله بشر إلا أصحاب الحق المؤمنين عن يقين، ورأينا تهديد ضابط صهيوني للأطقم الطبية أنهم سيتحولون لأشلاء وقطع متناثرة.
شاهدنا تكاتفًا اجتماعيًا لم يشهده العالم وتراحمًا وتقاسمًا للزاد ودعم النازحين وفتح القلوب قبل البيوت لهم، واستخدام المنشورات الصهيونية الداعية للإبلاغ عن أماكن تواجد الأسرى في لف الفلافل، وتصوير فيديوهات تسخر منهم وحرقها كبديل عن الحطب لعدم توافر الوقود للطهي أو للتدفئة.
كما تم إحياء القضية الفلسطينية ونشر عدالتها في العالم كله، ولأول مرة انتشرت المظاهرات في العالم كله ضد الصهاينة، وضد أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وكل الدول الاستعمارية المناصرة دوما للصهاينة والمعادية لنا، ورأينا كثيرًا من أبناء هذه البلاد يرفضون المجازر الصهيونية ويرفعون صور الأطفال الفلسطينيين وينددون بالجرائم الوحشية وبصمت أمريكا والغرب عنها.
وشاهدنا الكثير من صانعي المحتوى في مختلف بلاد العالم يقدمون تأييدهم الواضح لحق غزة وفلسطين في انتزاع الحرية من أيدي المعتدين الصهاينة، ويسخرون من انحياز الغالبية العظمى من الإعلام الغربي والأمريكي للصهاينة، وفضح أكاذيبهم، وتزايد الوعي المناصر لفلسطين خاصة بين الأجيال الجديدة؛ مما أثار قلق الكثير في الغرب وطالبوا بالانتباه لهذا التغيير العالمي.
كما نشطت الدعوات لمقاطعة منتجات هذه الدول في كل أرجاء العالم، وخسرت إسرائيل أسطورتها كجيش لا يقهر وكقوة استخبارات غير مسبوقة في العالم، واستطاعت المقاومة بفصائلها تكبيد الصهاينة أكبر الخسائر غير المسبوقة منذ قيامها في عام ١٩٤٨ باعتراف قادتها، وقال نتنياهو: "لم نعش مثل هذه الأيام الصعبة والخسائر من قبل".
كتبت لوموند بولتيك الفرنسية: الحرب على غزة هي أول حرب تشارك بها أمريكا وتدعم أهدافها، وتعرقل وقف إطلاق النار، ومع ذلك خسر الصهاينة ولم يحققوا أيًا من أهدافهم المعلنة بالقضاء على حماس وباسترداد الأسرى.
وكتبت صحيفة يديعوت أحرونوت: المعادلة التي خلقها حزب الله، والتي يطلق الصواريخ بموجبها على المستوطنات، معادلة خطيرة، وأن حزب الله يدفن عناصره وسط مراسم حاشدة، بينما يُدفن القتلى في المستوطنات الشمالية في الظلام وبحضور قليل من الناس في صورة تحكي عن فقدان شرفنا الوطني، وفقدان الردع مع حزب الله، وهذا إذلال لنا جميعا، وقال المستوطنون النازحون إنهم لم يتوقعوا في أسوأ الكوابيس ما حدث لهم.
وذكرت وسائل إعلام صهيونية أن 80% من الإسرائيليين في الخارج لا ينوون العودة إلى إسرائيل، كما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت رفض مجندات الخدمة في وحدات الاستطلاع الحدودية؛ بعد اختطاف بعض عناصرها في 7 أكتوبر، وأعلنت القناة 12 الصهيونية 4500 أضيفوا للجنود المرضى نفسيًا، وذكر موقع واللا الصهيوني تسريح جنود يعانون صدمة ما بعد الحرب.
كما تزايد الرعب لدى المواطنين الصهاينة، وتضاعفت الهجرة إلى الخارج هربًا من المقاومة وانعدام الشعور بالأمان، كما أثبتت استطلاعات الرأي الصهيونية، تضاعف حالات الاكتئاب وتناول الأدوية المهدئة، وتزايدت أعداد الجنود الذين تعرضوا للإصابة بالأمراض النفسية وخضعوا للعلاج، وربع هؤلاء لن يستطيعوا العودة للخدمة، فضلا عن آلاف الجنود الذين أصيبوا بالإعاقة، والاخطر فقدان الثقة في الجيش الصهيوني كمصدر حماية وأمان، فلم يستطع حمايتهم من أسر المقاومة للمئات في ٧ أكتوبر، ولا من اختراق الأجهزة التكنولوجية المتقدمة، ولم يستطع إعادة ولو أسير واحد على قيد الحياة، بل تسبب في قتل بعض الأسرى وقد اعترف بذلك، وكثر عدد القتلى من النيران الصديقة باعترافهم أيضًا، وتزايدت حالات الانتحار في صفوف الجيش، وفي الشعب أيضا، عن المعدلات المعروفة.
وقال بعض الجنود إنهم لن يواصلوا الحرب؛ لأنهم لم يستعدوا لها جيدًا، وكثرت المظاهرات المطالبة باستقالة حكومة نتنياهو ومحاكمتهم، وهو ما لم يحدث أثناء أي حرب سابقة.
كما يرفض غالبية النازحين من شمال فلسطين المحتلة هربًا من صواريخ حزب الله اللبناني العودة إلى بيوتهم خوفا على حياتهم، وهو ما لم يحدث سابقا، فضلا عن الإذلال الذي يتعرض له الصهاينة بمنع الحوثيين السفن من التوجه إليهم.
وكتبت صحيفة هآرتس: لم يعد لدينا ما نبحث عنه في غزة، والنصر الوحيد سيكون إقالة رئيس الوزراء.
عندما تنتهي الحرب ستبدأ خسائرهم الأكثر والأقسى في الظهور وستكون أكبر ومقدمة لبداية الانهيار التام للصهاينة.