تواصل الحكومة المصرية تطوير صناعة الغزل والنسيج فى مصر، والتوسع فى منظومة تحديث وتطوير قطاعات التجهيز والحليج والصباغة، وذلك بالتوازى مع خطة النهوض بزراعة محصول القطن وإعادته لسابق عرشه.
موضوعات مقترحة
مؤخرًا بدأت وزارة قطاع الأعمال عدة إجراءات كان على رأسها متابعة خطة تنفيذ 4 محالج جديدة بالمحافظات، والتعاقد على توريد منظومة حليج حديثة تم تنفيذها فى المرحلة الأولى بمحلج الفيوم، ثم التعاقد على توريد ثلاث منظومات حليج أخرى لمحالج الزقازيق وكفر الزيات وكفر الدوار. وبالتوازي يجري تنفيذ عدد من التوصيات الصادرة عن اللجنة المشكلة بقرار من رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، لتقييم عملية صيانة المحالج القديمة ورفع كفاءتها بالشكل المحدد.
ولأن تطوير قطاع الغزل والنسيج فى مصر على رأس المشروعات القومية الهامة التى تتبنى الدولة تنفيذها خلال الفترة الأخيرة، فقد بدأت وزارة قطاع الأعمال بتوجيهات من رئيس مجلس الوزراء تنفيذ حزمة من الخطوات الخاصة بالموقف المالى لتكلفة المشروع خاصة فى ظل التغيرات الطارئة فى سعر الصرف، إضافة إلى دراسة عمليات التشغيل التجريبى للمصانع وخطوط الإنتاج التى تم الانتهاء من تطويرها وتحديثها، واستكمال الدراسات اللازمة الخاصة بتسويق المنتجات الوطنية النهائية، وذلك بما يتوافق مع تغيرات الطلب على السوقين المحلى والعالمي، لأن المستهدف من هذه المنظومة هو دعم تصدير المنتجات المصرية الوطنية إلى أسواق العالم.
خطة وزارة قطاع الأعمال التى تنشر «الأهرام التعاوني» فى الحلقة الثانية تفاصيلها، تضمنت تطوير وتحديث ما يقرب من 65 مصنعًا ومبنى خدميًا، ما بين خطوط إنتاج عاملة فى قطاعات الحرير الصناعى وألياف البوليستر والحلج وتصنيع الغزول والخيوط، إضافة إلى مبانٍ خدمية خاصة بأعمال التجهيز والصيانة والصباغة، كما تتضمن الخطة استكمال منظومة توريد المعدات والماكينات الحديثة لتشغيل خطوط الإنتاج العاملة فى الغزل والنسيج، والانتهاء من استكمال أعمال البنية التحتية الخاصة بالكهرباء والمياه للمبانى والمنشآت الصناعية الجديدة، والتشديد على سرعة إنجازها قبل موعد جني القطن فى الموسم الجديد.
توطين التكنولوجيا الحديثة فى خطوط إنتاج الغزل والنسيج ضمن منظومة التحول الرقمي التى تتبناها وزارة قطاع الأعمال فى تنفيذ المشروع القومي للقطن والغزل والنسيج فى مصر، باعتبار أن هذه التقنيات المتطورة معمول بها فى جميع دول العالم، والتي نجحت خلال السنوات الأخيرة فى تحقيق طفرة كبيرة في الصناعات النسيجية، وتربعت على عرش قائمة الدول المصدرة والمنتجة فى هذا القطاع، على رأسها الصين وألمانيا والهند وأمريكا، إضافة إلى التوسع فى شراكات القطاع الخاص لاستكمال وتنفيذ المشروع، باعتبار أن الشركات العاملة فى القطاع الخاص تمتلك العديد من الخبرات الكبيرة والعالمية فى مجال الصناعات النسيجية، وقادرة على تحقيق القيمة المضافة فى المنتج الوطني النهائي، ودعم تصديره لجميع أسواق العالم.
وزير قطاع الأعمال الدكتور محمود عصمت، أكد أن الوزارة وضعت جدولًا زمنيًا محددًا لتحقيق المستهدف من المشروع القومى لتطوير قطاع الغزل والنسيج فى مصر بالتنسيق مع الوزارات المعنية، خاصة وأن هذا المشروع القومى العملاق يحظى باهتمام كبير من القيادة السياسية، كما أن هناك خطوات تنفذها الوزارة تستهدف تحقيق التكامل بين المصانع التابعة للوزارة والعاملة ضمن منظومة التطوير، إضافة إلى تبنى برنامج قومي لتدريب وتناقل الخبرات بين العاملين فى المنظومة بالتنسيق بين مؤسسات الدولة وخبراء الصناعة فى القطاع الخاص، حيث يهدف هذا البرنامج إلى تنمية القدرات التمويلية والتشغيلية والتسويقية للعاملين بالمنظومة.
وأكد عصمت أن الوزارة تعمل وفق سياسات جديدة وقوية لتدبير الكميات المطلوبة من الأقطان اللازمة لتشغيل خطوط الإنتاج الجديدة بالمصانع بعد الانتهاء من اكتمال المشروع، إضافة إلى مراجعة وضبط منظومة تدول وحليج الأقطان، والتوسع فى الزراعات التعاقدية مع المزارعين فى المحافظات المحددة لزراعة القطن فى مصر، ودعم التجارب الزراعية الجديدة التى تم إطلاقها مؤخرًا لزراعة القطن، والاستعانة بالقطاع الخاص لزراعة مساحات إضافية من القطن قصير التيلة فى مناطق الاستصلاح الجديدة لتوفير الكميات اللازمة لتشغيل المصانع الجديدة، وذلك بالتنسيق مع وزارة الزراعة.
وقال الوزير: منظومة التسويق التى تبنتها وزارة قطاع الأعمال تضمنت عدة محاور، على رأسها دراسة السوق وتحديد المنتجات المطلوبة داخل السوق المحلى والعالمي، إضافة إلى وضع سياسات بيع تناسب حجم التكلفة، وفى نفس الوقت تدعم فرصة تسويق المنتج المحلى بشكل أكبر، مؤكدا أن المستهدف من الإنتاج بعد الانتهاء من تطوير وتشغيل مصانع العزل والنسيج فى مصر 188 ألف طن سنويًا من الغزول، و198 مليون متر من النسيج، إضافة إلى 15 ألف طن من الوبريات، إلى جانب 50 مليون قطعة ملابس فى السنة، بالإضافة إلى التواصل مع شركاء العمل من القطاع الخاص لتوفير احتياجاتهم من أجود الغزول الرفيعة اللازمة للصناعة بدلا من استيرادها.
أما محمد المرشدى رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، فأكد أن خطة تطوير وتحديث المصانع والشركات التى تتبناها وزارة قطاع الأعمال بالتأكيد مهمة للغاية ومطلوبة منذ زمن، لكن الأزمة فى بطء العمل فى هذه المنظومة، حيث سبق وأن أعلنت الوزارة منذ أكثر من 5 سنوات عن هذا التطوير إلا أنها بطيئة وتسير بسرعة سلحفاة، مما تسبب فى تحديات كبيرة واجهت هذه المنظومة، على رأسها ارتفاع تكلفة الخامات والمعدات والآلات التى يتم استيرادها من الخارج، إضافة إلى زيادة تكلفة أعمال الإنشاءات والترفيق والبنية التحتية التى تنفذها الوزارة فى منظومة تطوير المنشآت، وهو الأمر الذى حمل الحكومة ممثلة فى وزارة قطاع الأعمال أعباء إضافية فوق التكلفة المحددة لتحديث المنظومة.
«عملية بيع الأصول التى لجأت إليها الوزارة منذ أكثر من 3 سنوات لم تجد نفعًا مع الأسف، وتحديدًا فى عهد الوزير السابق هشام توفيق، وإن كان المخطط منها هو الإنفاق على تطوير وتحديث شركات الغزل والنسيج إلا أنها ليست الحل الأمثل لضبط المنظومة».. استكمل المرشدى كلامه حيث أشار إلى أن، سبق وأن اجتمع مع الدكتور مصطفى مدبولى فى حضور «توفيق»، وناقش فكرة بيع الأصول والأراضى الخاصة بوزارة قطاع الأعمال باعتبارها ثروة قومية يمكن أن تحقق عائدًا استثماريًا كبيرًا ومتجدد لضبط المنظومة، كما طالب بضرورة التوسع فى الصناعات البتروكيماويات التى تدخل فى تصنيع الألياف الصناعية والبوليستر ومن ثم صناعة الأقمشة والملابس الجاهزة.
وأوضح رئيس غرفة الصناعات النسيجية، أن الاتحاد الدولى لمنتجى المنسوجات أصدر تقريرًا مؤخرًا تضمن أن صناعة العزل والنسيج تعتمد على مستوى العالم على نسبة 100% من مستلزمات الإنتاج من الأقطان، منها 97.5% أقطان قصيرة ومتوسطة التيلة، فى حين أن 2.5 % منها طويل التيلة، ورغم ذلك لا زالت وزارة الزراعة فى مصر تصر على نشر الخريطة الزراعية لها بالأصناف طويلة التيلة، وهو ما يؤكد أن السياسة الزراعية فى مصر تحتاج وبشكل عام إلى تغيير لمواكبة التطورات والتغيرات العالمية، وبما يعزز زراعة الأصناف قصيرة ومتوسطة التيلة، مشيدًا بالتجربتين الزراعيتين التى نفذتهما وزارة قطاع الأعمال بالتنسيق مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى لتوطين وزراعة الأصناف قصير التيلة فى توشكى والواحات كبداية مطلوبة ومهمة فى تطوير المنظومة.
الحكومة المصرى بحاجه ملحة إلى تبنى خطة قومية لتوطين الاستثمار فى الصناعات البتروكمياويات والتى تدخل فى تصنيع الألياف الصناعية والبوليستر باعتبارها أحد أهم المدخلات المهمة فى صناعة الغزل والنسيج فى مصر -حسب المرشدى - كما أن مصر تستورد 100% من احتياجاتها من البولستر والألياف الصناعية فى ظل الارتفاع الكبير وغير المسبوق فى أسعار الصرف خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يؤكد أن توطين هذه الصناعة المهمة باستثمارات محلية وأجنبية يحقق طفرة كبيرة فى منظومة تطوير الصناعات النسيجية، كما يحقق عائد كبير على الدولة فى نفس الوقت، إضافة إلى أنه يحقق فى استقرار الصناعة وخفض فاتورة الاستيراد من الخارج، والأهم توفير منتج محلى بأعلى المواصفات للقطاع الخاص فى مصر.
وطالب محمد المرشدى بضرورة استغلال الدراسة التى أعلنت عنها الهيئة العامة للتنمية الصناعية والتى تضمنت طرح 152 فرصة استثمارية فى مصر، والاستفادة منها فى صناعة الغزل والنسيج، خاصة وأن 14% من هذه الفرص يتعلق بالصناعات البتروكمياويات التى تدخل فى تصنيع الألياف الصناعية والبوليستر أحد أهم مدخلات الصناعات النسيجية فى مصر والعالم، وقد أكدت الدراسة يمكن أن تسهم هذه الفرص الاستثمارية فى سد فجوة استيرادية تقدر بحوالى 30 مليار دولار فى ظل الظروف والتحديات الاقتصادية الصعبة التى ساهمت فى زيادة أسعار الدولار.
وقال: «إن كانت التكلفة الكبيرة هى التحدى الذى يواجه خطة توطين هذه الصناعة فأنا أرجح دخول الشركات الكبرى التابعة للقوات المسلحة ووزارة الإنتاج الحربى أيضًا للاستثمار فى هذه الصناعة خاصة، مع توافر الخبرات المناسبة فى هذه المؤسسات، وبعد النجاح الذى تحقق فى قطاعات كبيرة بعد دخولها خلال السنوات الأخيرة «.
وعن أهمية الدور الذى يلعبه القطاع فى دعم خطة تطوير قطاع الغزل والنسيج فى مصر، أكد رئيس غرفة الصناعات النسيجية محمد المرشدي، أن الدولة لا أحد ينكر قد وفرت تمويلات مناسبة للمصنعين وأصحاب شركات ومصانع الغزل والنسيج، إلا أنها ليس حلا للنهوض بالمنظومة، حيث أن استقرار شركات القطاع العام وقدرته على توفير بيئة مناسبة للتوسع فى التصنيع يحقق هذه الفطرة، إضافة إلى توفير الدعم الكامل للتوسع فى الصناعات المغذية وقطاع الصباغة والتجهيز، وتوفير الغزول المحلية بأسعار مناسبة بدلًا من استيرادها من الخارج، والأهم أيضًا استغلال الأصول التابعة للدولة فى دعم الاستثمار فى الصناعات النسيجية، بما يحقق العائد المستهدف من التطوير.
أما المصنعون فكان لهم آراء ومطالب مهمة، بالتزامن مع خطة تحديث وتطوير صناعة الغزل والنسيج فى مصر، فقال أحمد فايز نصار صاحب مصنع فى مدينة «بيجام» قلعة صناعة الغزل والنسيج فى القليوبية: إن الدولة وفرت التمويل للمصنعين لكن وجدوا أنفسهم غير قادرين على التعامل مع الاشتراطات المحددة للحصول على المبالغ المطلوبة بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج والخامات المستوردة من الخارج سواء كانت فى خيوط البوليستر التى يتم استيرادها من الصين، وقد بدأت الأزمة تتفاقم بعد توقف عمليات الشحن بسبب هجمات الحوثيين على السفن فى منطقة البحر الأحمر، حيث ارتفع سعر طن الغزل من 53 ألف جنيه إلى 100 ألف جنيه، كما زاد سعر الحاوية الواحدة التى تزن 22 طنًا من 1700 دولار إلى 8 آلاف دولار، الأمر الذى ساهم فى زيادة الأعباء على صغار المصنعين فى مصر.
وأشار إلى أن ارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب زيادة أسعار الدولار تسبب فى حالة من الركود فى حركة البيع بالسوق المحلي، وعدم قدرة المصنع المحلى على توفير أسعار المواد الخام المستخدمة فى التصنيع، مما أثر فى النهاية على أسعار المنتج النهائى وارتفاع أسعاره، وهو ما يتطلب تدخل الحكومة المصرية فى توفير الغزول المحلية للمصنعين بأسعار منافسة خاصة وأن المنتج المحلى المصرى هو الأعلى فى الجودة والطلب من السوق المحلى والعالمي، إضافة إلى ضرورة التوقف عن تصدر الأقطان المصرية الخام إلى الأسواق العالمية، لخلق قيمة مضافة منها بعد إعادة تصنيعها محليًا فى ظل التطور الكبير الذى يحدث فى منظومة القطن والغزل والنسيج خلال السنوات الأخيرة.
أما الدكتور محمد أيمن خشبة، خبير الصناعات النسيجية وأحد المصنعين، فقال إن القطاع الخاص فى مصر يعانى من عجز كبير فى العمالة المدربة على صناعة العزل والنسيج فى مصر، وإن كانت مصر هى الرائدة منذ قديم الأزل فى تصدير الخبرات إلى العالم البارعين فى كافة التخصصات، وهو ما يتطلب ضرورة توفير منظومة جديدة تعزز من خطوة التدريب والتأهيل لسوق العمل بما يتماشى مع خطة التطوير التى تتبنها الدولة فى قطاع الغزل والنسيج، إضافة إلى ضرورة التوسع فى المدارس الفنية العاملة فى هذا المجال للقدرة على تأهيل وتدريب أكبر عدد من الفنيين المهرة للعمل فى المنظومة الجديدة، ودراسة تصدير هذه الخبرات مستقبلًا إلى العالم، مشيرًا أن مصر تمتلك فرصة ذهبية لتحقيق الريادة العالمية فى الصناعات النسيجية.
وأشار الدكتور محمد خشبة، إلى أن الدولة مسئولة عن توفير منشآت للمصنعين خارج الأحوزة العمرانية، وقد سبق وأن طرحت أراضى ومنشآت للمصنعين فى منطقة بدر وتحديدًا فى 2019 تقريبًا، إلا أن الكثير وبسبب غياب الرقابة لجأ إلى بيعها بـ«أوفر» والاستمرار فى العمل داخل الأماكن القديمة، على سبيل المثال منطقة «بيجام» قلعة الصناعات النسيجية فى محافظة القليوبية الكائنة فى قلب منطقة سكنية مكتظة بالسكان، وهو تحدى كبير يعيق عمل هذه المصانع، مطالبًا بتوفير أراضٍ ومنشآت صناعية جديدة للمصنعين مع تشديد الرقابة على منظومة التشغيل، مع مراعاة توفير أماكن للصناعات المغذية ومنافذ تسويق داخل هذه الأماكن لتقليل التكلفة عن المصّنع.