- نقص المياه المشكلة الأساسية التي تواجه القطاع الزراعي حالياً وهى تحد من عمليات التوسع الأفقي
موضوعات مقترحة
- للتغلب على نقص المياه تم تبطين الترع وتحويل العديد من الحقول للري الحديث وإقامة محطات لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف
- لدينا فجوة غذائية كبيرة في عدد من السلع الغذائية والقيادة السياسية أصدرت تعليمات مشددة بزراعة الأراضي الجديدة بالمحاصيل التي تعاني فجوة في إنتاجها
لاشك أن القطاع الزراعى فى مصر مازال يواجه عدة تحديات أهمها: ارتفاع معدلات النمو السكانى، ونقص المياه، والتغيرات المناخية، ونقص التكنولوجيا المتقدمة، وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، فضلاً عن: التصحر، وتلوث المياه والتربة، ونقص التمويل، وضعف البنية التحتية للمناطق الريفية.. هذا إلى جانب مايعانيه العالم الآن من أزمات اقتصادية وسياسية وخلافه.
وهناك ضرورة ملحة فى مواجهة هذه التحديات التى تواجه القطاع الزراعى الذى يرتبط ارتباطاً وطيداً بالأمن الغذائى، وهذا يحتاج إلى استخدام تقنيات حديثة لزيادة إنتاجية المحاصيل وتحسين جودتها، وتحسين كفاءة استخدام المياه، وتحسين الطرق بالريف لتيسير نقل المنتجات الزراعية، وتحسين التكنولوجيا الزراعية، وتعزيز البحث العلمى والابتكار فى مجال الزراعة لتحسين السلالات النباتية، وتكنولوجيا الإنتاج، وتعزيز القدرة التسويقية للمزارعين، من خلال توفير قنوات فعالة لبيع منتجاتهم، وتقديم الدعم المالى والتسهيلات الائتمانية لهم، وتنفيذ سياسات حكومية فعالة لتعزيز هذا القطاع، حيث إن تكامل هذه الجهود يمكن أن يسهم فى تحسين القطاع الزراعى فى مصر، وتحقيق استدامة وأمن غذائى أفضل.
وحول مستقبل القطاع الزراعى فى مصر فى ظل التحديات والظروف العالمية الصعبة، وأهم التحديات والمشاكل التى يعانى منها حالياً، والجهود المبذولة من الدولة لمواجهتها، وطرق الحلول المناسبة المطروحة لمعالجتها قامت "الأهرام الزراعى" بإجراء هذا الحوار مع الخبير الزراعى الدكتور نادر نور الدين الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة ومستشار وزير التموين الأسبق..
- ماهي أبرز التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في مصر حالياً وكيف يمكن مواجهتها؟
المشكلة الأساسية التى تواجه القطاع الزراعى فى مصر الآن هى نقص المياه، وهو ما يمثل عائقاً أمام التوسع فى استصلاح أراضى جديدة، لزيادة الرقعة الزراعية والذى يرتبط بتدبير موارد مائية، لذا تعكف الدولة حاليا على تنمية مواردها المائية، حيث قامت بتبطين الترع مما أدى لتوفير نحو 7 مليارات متر مكعب، كما تم تحويل بعض الحقول للرى الحديث، وتمت إقامة عدة محطات لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف، حيث تم افتتاح مصرف بحر البقر العام الماضى بتدفقات بلغت نحو 2.1 مليار متر مكعب فى العام من مياه الصرف المعالجة، وسيتم فى بداية هذا العام 2024 افتتاح محطات معالجة فى غرب الدلتا مما يتيح تصرفات بنحو 3 مليارات متر مكعب فى العام من المياه المعالجة.
وأضاف كما تم البدء فى التوسع فى مشروع الصوبات الزراعية، لأنها تؤدى إلى ترشيد استخدام المياه وزيادة الإنتاج من الحاصلات الزراعية، حيث أنها تستهلك أقل من 40 % من المياه المستخدمة فى رى الحقول المفتوحة، كما أنها تنتج نحو 4 أضعاف كمية المحصول.
وتابع كما تم التقليل من مساحات المحاصيل عالية الاستهلاك للمياه، مثل محصول الأرز، والذى تم تخفيض مساحاته إلى 1.1 مليون فدان، وإنتاج أصناف جديدة منه قليلة الاستهلاك للمياه عالية الإنتاجية ومقاومة للأمراض وهى عرابى1، عرابى2، عرابى3، عرابى4، وكذلك الموز واقتصار زراعته التى كانت تتم طول العام على موسمه الطبيعى فى فصل الشتاء فقط، كما تم حظر أى توسع جديد فى مساحات قصب السكر، مع عدم المساس بالمساحة المزروعة حالياً، مقابل التوسع فى زراعة بنجر السكر، وكذلك قصر إنتاج بعض الحاصلات الورقية التى تفقد كميات كبيرة من المياه عن طريق النتح، مثل الكرنب والقلقاس وغيرها على احتياجات الاستهلاك المحلى فقط.
- حدثنا عن أزمة الغذاء ووضع الأمن الغذائي في مصر الآن؟
مصر لديها فجوة غذائية كبيرة فى إنتاج العديد من السلع الأساسية، مشيراً على سبيل المثال قامت مصر العام الماضى باستيراد نحو 12 مليون طن من القمح من إجمالى الاستهلاك المحلى الذى يبلغ 20 مليون طن مايقدر بنحو 70% من احتياجاتها المحلية، كما قامت باستيراد نحو 80% من احتياجاتها من الفول البلدى، واستيراد نحو 100% من احتياجاتها من العدس، كما أنها تستورد كامل احتياجاتها تقريباً من زيوت الطعام ، وتستورد نحو 20% - 25% من احتياجاتها من السكر، ونحو من 50% ـ 60% من احتياجاتها من اللحوم الحمراء، ونحو 60% من احتياجاتها من الألبان المجففة، مشدداً على ضرورة العمل على تقليل هذه الفجوة.
- ماهي الجهود المبذولة للنهوض بالإنتاج الزراعي؟
صدرت تعليمات من القيادة السياسية العام الماضى، بزراعة الأراضى الجديدة بالحاصلات التى تعانى فجوة فى إنتاجها، وبالفعل تمت زراعة أكثر من نصف مليون فدان بالقمح، كإضافة فى الإنتاج، ومن المأمول أن تكون هناك إضافة أخرى فى إنتاج القمح، عندما يتم الانتهاء من مشروع الدلتا الجديدة، والتوسع فى مشروعى شرق العوينات وتوشكى، والانتهاء من مشروع ترعة السلام، التى تم استصلاح واستزراع 400 ألف فدان فى زمامها بشمال سيناء، حيث تمت زراعة العدس بشمال سيناء، بعد أن تم استنباط صنفين منه هما سيناء 1، سيناء 2 ، وذلك بهدف التوسع فى إنتاج كميات كبيرة منه، والعودة لزراعة العدس مرة أخرى، حيث كانت تتم زراعة العدس الإسناوى فى الصعيد، إلى أن أقلع المزارعين عن زراعته بسبب: انخفاض السعر، وانتشار الحشائش، وتدهور الأصناف القديمة، مما أدى إلى التوجه لإنتاج أصناف جديدة عالية الإنتاجية تعود على المزارعين بعائد مجزٍ، لافتاً وهناك نحو 200 ألف فى وسط وجنوب سيناء قابلة للزراعة أيضاً.
وأشار أما بالنسبة للفول البلدى فقد أصبح يحقق عائداً مجزياً للمزارع حالياً، حيث يبلغ سعر كيلو الفول للمستهلك نحو 48 جنيهاً، ويقوم المزارع ببيعه بسعر 30 جنيهاً، مما يؤدى إلى حصول المزارع على أكثر من 40 ألف جنيه عائد من الفدان وهو أمر جيد.
وقال: بالنسبة للقمح فقد حددت له الدولة سعراً استرشادياً جيداً وهو 1600 جنيه/إردب، فإذا ماعلمنا أن الفدان ينتج نحو 20 إردباً، فهذا يعنى أن الفدان ممكن أن يحقق عائد من حبوب القمح لنحو 30 ألف جنيه، هذا بالإضافة إلى نحو 10 آلاف جنيه عائد من التبن على الأقل، والذى يستخدم علفاً للماشية، وبالتالى هذا السعر سيحقق عائداً مجزياً للفلاح، مما يحفزه على الإنتاج.
وكشف أن وزارة الزراعة قد وعدت العام الماضى بعزمها على زراعة ربع مليون فدان مبدئياً من فول الصويا، وكذلك الذرة الصفراء لمواجهة أزمة الأعلاف وتقليل استيرادهما، حيث تم استيراد 12 مليون طن من الذرة الصفراء العام الماضى، كما تم استيراد نحو 3.5 مليون طن من فول الصويا، حيث يُعد المحصولان من مكونات الأعلاف الأساسية، وهما يتحكمان فى أسعار اللحوم الحمراء والدواجن والبيض والجلود والزبدة والسمن.
- ماهى الحلول الممكنة لتعزيز الأمن الغذائى فى مصر؟
فى البداية يجب التوسع فى زراعة الذرة الصفراء، وأن تحل محل الذرة الشامية الأقل أهمية، والعمل على توفير نحو من 6 – 8 ملايين طن فول صويا من الزراعة المحلية، موضحاً أن زراعة 2 مليون فدان بالذرة الصفراء، ومليون فدان من فول الصويا ممكن أن يحقق الاكتفاء الذاتى من الأعلاف، حيث إن تنافس المحاصيل على الأراضى الزراعية فى الموسم الصيفى أقل منها فى الموسم الشتوى، الذى يكون فيه تنافس شديد بين البرسيم والقمح فضلاً عن الفول وبنجر السكر والكتان والحمص وخلافه، أما فى الموسم الصيفى فلا يوجد سوى الأرز والذرة والقطن الذى لاتتعدى مساحته 200 ألف فدان، بالإضافة للأرز والذى تقدر مساحته بالمخالفات نحو 1.5 مليون فدان، وبالتالى فإن معظم المساحة المحصولية والتى تقدر بنحو 7 ملايين فدان تكون فارغة فى فصل الصيف، مشيراً فإذا تمت زراعة نصف هذه المساحة بالذرة الصفراء، وزراعة 2 مليون فدان من فول الصويا مع عباد الشمس نكون حققنا اكتفاءً ذاتياً من محاصيل الزيوت والأعلاف معاً، مضيفاً: حيث إن ارتفاع سعر فول الصويا فى السوق العالمية، والذى بلغ سعر الطن منه مايعادل 30 ألف جنيه، ويباع طن كسب فول الصويا (العلف) بنحو 32 ألف جنيه، وذلك بسبب الزيادة المستمرة فى سعر الدولار نتيجة للأزمات العالمية، لذا فإن الموسم الصيفى كفيل أنه يحقق اكتفاءً ذاتياً من الأعلاف والزيوت إذا أردنا ومتى توافرت البذور والتقاوى اللازمة لزراعتهم.
وتابع: أما بالنسبة لإمكانية زيادة الإنتاج من الحاصلات الزراعية الشتوية وأهمها القمح، فهى مازالت تحتاج لمجهود لأنها ترتبط باستصلاح أراضى جديدة لزيادة الرقعة الزراعية، حتى يمكن التوسع فى المساحة المزروعة منها، لافتاً وبسبب عدم وجود مراعى طبيعية فى مصر نتيجة قلة الأمطار لديها، وللحفاظ على ثروتها الحيوانية والتى تقدر بنحو 6.5 مليون رأس، فإنها تضطر لزراعة البرسيم الذى ينافس القمح فى المساحة، مما يجعلها أكبر مستورد للقمح فى العالم، لذا تسعى المراكز البحثية إلى استنباط أصناف أخرى من الأعلاف الخضراء كثيفة الإنتاج لإتاحة الفرصة للتوسع فى زراعة القمح على حساب البرسيم، مضيفاً: ومن ناحية أخرى تم البدء فى إنتاج أصناف جديدة من القمح عالية الإنتاجية وهى: مصر1، مصر2، مصر3، مصر4.
وأفاد بأنه ينبغى التقليل من مساحة الخضراوات المزروعة، والتى يهدر منها كميات كبيرة، مشيراً إلى أنه رغم ارتفاع حجم إنتاج مصر من الطماطم، حيث أنها تحتل من المركز الخامس إلى السابع فى الإنتاج العالمى، إلا أن نسبة الصادرات منها ضئيلة، وكذلك نسبة التصنيع التى لاتتعدى 3% من حجم الإنتاج، رغم احتياجات الأسواق العربية والإفريقية لصلصة الطماطم والتى تستوردها من أوروبا، مقترحاً تصنيع نسبة من إنتاج الطماطم، وتصديرها إلى هذه الأسواق، لتوفير العملة الصعبة، وزيادة دخل المزارع، وتقليل الفاقد منها والذى قد يصل إلى 33% من حجم الإنتاج.
ووجه بضرورة التوسع فى زراعة الصوبات الزراعية لترشيد استخدام المياه، وكذلك لإنتاج الخضراوات بها وترك الحقول المفتوحة للمحاصيل الاستراتيجية، والتوسع فى زراعة الفول والعدس، لأنهما غذاء أساسى للفقراء ومحدودى الدخل، الذين أصبحوا يمثلون 50 % من تعداد الشعب المصرى.
- ماهي أهم الحلول العاجلة التي يجب أن تبدأ بها مصر لمواجهة أزمة الغذاء؟
سد الفجوة الغذائية، وتقليل الصادرات التى تخلق أزمة، رغم أنها تأتى بعملة صعبة تحتاجها الدولة، وذلك لأن مايتم تصديره يتم استيراد محاصيل استراتيجية بدلاً منه، مثل: القمح وزيوت الطعام والذرة الصفراء وفول الصويا والفول البلدى والعدس وخلافه بأسعار مرتفعة، لذا فإن التركيز على تحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الاستراتيجية أفضل من تصدير الخضر والفاكهة، ناصحاً بضرورة الاتجاه للتوسع فى زراعة هذه المحاصيل، لأن تكلفة الاستيراد أعلى بكثير من عائد الصادرات، حيث تستورد مصر بنحو 15 مليار دولار سلعاً استراتيجية من الخارج، فى حين أن إجمالى حجم صادراتها من الخضر والفاكهة لا يتجاوز 3 مليارات دولار، وبالتالى فإن توفير نصف قيمة الواردات الزراعية (15 مليار دولار) أفضل من جلب 3 مليارات دولار من الصادرات الزراعية.
ويرى أن مستقبل مصر فى الأمن الغذائى يحتاج لتدبير موارد مائية أكثر، والتوسع فى مشروع الصوب الزراعية لكى تُزرع فيها الخضراوات وتُترك الحقول المفتوحة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية سالفة الذكر، وهذا سيؤدى إلى توفير كمية من المياه وزيادة الإنتاج مما يؤدى لتقليل الاستيراد وتوفير قدر كبير من العملة الصعبة، وخفض سعر اللحوم والبيض والدواجن والجلود وغيره.