عطفا على المقال السابق؛ أكمل اليوم الجزء الثاني؛ حيث إننا أنهينا مقالنا السابق باتساع حجم التباعد بين الناس؛ دون وجود أي محاولة لوقفه.
قد يكون أهم أسباب ذلك التباعد؛ هو الحالة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد؛ وهي لا تخفى على أحد؛ فعدد غير قليل من الناس يخفى همومه ومشاكله داخل محيط صغير؛ قد لا يتعدى الأسرة؛ ظنا منه أنه بتلك الكيفية يخبئ أزمته؛ ويتمنى أن يستره الله؛ ولا تنكشف.
لكنني أرى أن الثابت في تلك الأزمة الطاحنة؛ هو طُرق التعامل؛ بين التجار والمستهلكين؛ باتت النظرة؛ نظرة توحش؛ الكل يرغب في تحقيق أكبر قدر من المكسب دون النظر لطريقة تحقيقه؛ ويبدو أن هناك نظرية جديدة تسعى لإبعاد مفهوم الحلال و الحرام.
حتى يتحقق المكسب بكافة الطرق؛ مشروعة أو غير مشروعة؛ قد يتماشي الأمر داخل الفئات المقتدرة؛ التي يمكن لها العيش وفق ظروف قاسية؛ أما الطبقات البسيطة التي تعيش اليوم بيومه؛ أصبحت تعيش اللحظة بلحظتها؛ وهي لا تعي كيف ستمر عليها اللحظات القادمة.
وسط كل ذلك؛ قد تصادف شخصًا؛ يُعلي قيم الحلال ليعمل بها والحرام ليتجنبه؛ ليسوا كثرة؛ ولكن مازالوا بيننا؛ هؤلاء هم النموذج الأمثل الذي يجب أن يكون قدوة المجتمع؛ ويجب دعمهم وإلقاء الضوء عليهم.
هؤلاء يملكون ضميرًا حيًا يقظًا لا يغفل؛ يحاسب؛ يتعامل بمبدأ الثواب والعقاب، يعرفون أن هناك إلهًا وآخرة وجنة ونارًا، يخشون على أُسرهم من الحرام.
عندما تمر بأحد هؤلاء عضده؛ لأنه قيمة الآن باتت نادرة بصدق، فقد أمسينا نعيش حالة من الانفلات غير مسبوقة، ليست فقط الأسعار، ولكن في مناحٍ شتى ومتفرقة.
أضحت هناك ثقافة بدأت تظهر في الأفق؛ تحلل الحرام؛ وترى أن الفساد مقبول؛ ويمكن العمل وفق مقتضاياته لاسيما أننا نشاهد سبله عيانًا بيانًا دون أن يكلف الفاسدون أنفسهم عناء الاختفاء!
تلك الثقافة آخذة في الظهور بشكل غريب؛ أمست في تعاملات الناس مع بعضهم؛ دون وجود مبررات؛ فقد كنا فيما مضى نسمع مبررات للفاسدين من عينة "الظروف صعبة والحال غير يسير.. وهكذا"؛ اليوم الوضع مستفز؛ فالنهم صوب جمع المال بات كسيارة تسير على منحدر بسرعة كبيرة جدًا؛ دون أدنى محاولة لتقليل السرعة!
لذلك فالأمل المنشود؛ تزكية أصحاب الضمير الحي في كل الدوائر؛ أهل جيران أصدقاء زملاء؛ لأنهم الأمل الحقيقي في الحفاظ على رصيد نصف الكوب الممتلئ؛ وهم بمثابة رمانة ميزان المجتمع المصري؛ هذا إن أردنا مجتمعاً يطهر نفسه بنفسه؛ قادر على عملية التقييم ومن ثم التقويم.
الأجيال الصغيرة؛ هى مستقبل الوطن وأمله في تحقيق أي نمو مأمول؛ لابد من زراعة قيم التنافس والعمل والكد؛ حتى لا نفقد المستقبل.
ولنا في ردود أفعال الجماهير على أداء المنتخب في بطولة أمم إفريقيا عبرة؛ علنا نعيد تقييم الأمور من منظور شفاف يعيد ضبط إيقاع الأداء وفق منظور وطني عادل يراعي حقوق الناس؛ مع إطلاق حوافز إيجابية حقيقية ملموسة للشباب؛ والفرصة مازالت سانحة.
،،، والله من وراء القصد
[email protected]