عشرون عامًا مضت على بدء تطبيق اتفاقية المشاركة المصرية – الأوروبية، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2004، سبقتها مفاوضات طويلة ومباحثات شاقة، تابعت - عن كثب- جانبًا كبيرًا منها، خاصة ما يتعلق بنفاذ الصادرات المصرية إلى الأسواق الأوروبية – تكفل تحقيق مصالح كل طرف، وتؤكد مبدأ الشراكة بين الجانبين.. وطوال هذه السنوات مرت مسيرة المشاركة بالعديد من المراحل التي شهدت اهتمامًا خاصًا في بعضها بالجانب الاقتصادي والتجاري، وفي بعضها الآخر طغى البعد السياسي والأمني على الأولويات في المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي.
والآن وبعد الاتفاق على الارتقاء بالعلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي إلى مستوى الشراكة الكاملة والإستراتيجية، وفي ضوء البيان الصادر عن الاجتماع العاشر لمجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي، أصبح من الواجب أن نتحدث مع الشريك الأوروبي بالمزيد من الصراحة والوضوح، باعتباره شريكًا إستراتيجيًا.
الشريك الأوروبي أصبح مطالبًا بالعمل الجاد والحقيقي مع مصر في سبيل إنهاء القضية الفلسطينية، واستعادة السلام والأمن في الشرق الأوسط؛ بإقامة الدولة الفلسطينية، وهذا الدور يمتلك الاتحاد الأوروبي القدرة على أدائه بما لديه من أدوات وعلاقات مع القوى الدولية والإقليمية.
البيان الصادر عن الاجتماع العاشر لمجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي برئاسة وزير الخارجية سامح شكري، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، ذكر في أحد بنوده تجديد دعم الاتحاد الأوروبي لأمن مصر المائي إدراكًا لاعتماد مصر الكبير على نهر النيل في ظل ندرة المياه بها، داعيًا إلى الامتثال للقانون الدولي، مع التذكير بأن مبدأ "عدم الإضرار" يعد بمثابة مبدأ توجيهي في الصفقة الأوروبية الخضراء، وفي هذا المحور تحديدًا ينبغي أن نشهد دورًا أكبر للاتحاد الأوروبي.
ولعل ما تضمنه البيان في مجال العلاقات التجارية والاقتصادية يؤسس لمرحلة جديدة تتواكب مع الشراكة الإسراتيجية، ولذلك فإن التأكيد على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بشأن العمل من أجل المزيد من تعزيز العلاقات التجارية الثنائية وتشجيع الاستثمارات، يجب أن يحظى بأولوية قصوى في المرحلة المقبلة؛ ارتباطًا بتعزيز بيئة الأعمال والاستثمار لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ننتظر من الاتحاد الأوروبي دورًا أكبر كشريك إستراتيجي في العمل مع مصر؛ من أجل تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد، ودعم تنمية القطاع الخاص، وتحديدًا المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.. ولعل مؤتمر الاستثمار الدولي - المقرر عقده في مصر في مايو ٢٠٢٤، الذي يهدف لزيادة تعميق التبادلات التجارية بين مصر والاتحاد الأوروبي - يوفر الفرصة لتشجيع الاستثمارات الأوروبية العامة والخاصة على الاستفادة من الإمكانات الاستثمارية المتاحة في مصر، والتي تشمل الامتيازات التي توفرها قناة السويس؛ باعتبارها أهم ممر تجاري وبحري يربط بين شرق العالم وغربه، مما يعزز بطبيعة الحال دور مصر في سلاسل إمداد الاتحاد الأوروبي.
كما يجب أن يحتل التعاون في مجال البحث والابتكار - في قطاعات مثل: الطاقة والمياه والأغذية الزراعية والصحة وتطوير التقنيات الرقمية - اهتمامًا خاصًا من الشريك الأوروبي، مع انطلاق مرحلة جديدة في علاقات التعاون المصري - الأوروبي.
الآفاق باتت أرحب والفرص أصبحت أكبر أمام تطوير العلاقات المصرية – الأوروبية؛ لتليق بمستوى الشراكة الشاملة والإستراتيجية، ولكن تبقى الرغبة الحقيقية في التنفيذ هي كلمة السر.