مغامرة إثيوبيا من النهر إلى البحر

22-1-2024 | 15:12

من يتتبع سياسات إثيوبيا ومن يرصد تصرفات قادتها لن يجد عناء في التحليل ولا مشقة في الفهم، ولا صعوبة في كشف ما تشكله هذه الدولة المارقة من خطر على أمن المنطقة بسبب أطماع قادتها، الذين تحركهم نوازع عدوانية ودوافع سلطوية، فما لبثت هذه الدولة من تفجير أزمة سد النهضة مع مصر والسودان بتملصها من اتفاقيات تاريخية تحدد حقوق مصر السودان في مياه نهر النيل، وتهربها أيضًا من اتفاق المبادئ الذي تم التوقيع عليه بين البلدان الثلاثة؛ لتنظيم عملية ملء وتشغيل السد، حتى راحت تفتح جبهة نزاع أخرى مدفوعة بأوهام الاستحواذ والأطماع والتهديد مع دولة الصومال الشقيقة، عبر الالتفاف على سيادة الصومال بالتوقيع على اتفاق مع إقليم أرض الصومال - غير المعترف به دوليًا كدولة - لتحصل بموجبه على قطعة أرض مساحتها نحو 20 كيلو متر على ساحل البحر الأحمر؛ بغرض إقامة ميناء وقاعدة عسكرية في مخالفة سافرة لكل قواعد القوانين الدولية المنظمة لاحترام الحدود وسيادة الدول.

لقد عكس هذا التصرف الجائر حماقة واضحة من رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، وكشف عن نوايا تآمرية، ليس فقط ضد جارته الصومال، بل ضد الدول المطلة على البحر الأحمر، وكالعادة كانت النزعة الاستغلالية لهذه الدولة هي الحاضرة في هذا الاتفاق الباطل، الذي رفضته كل دول العالم والمؤسسات الدولية المعنية، فقد اختارت إثيوبيا هذا التوقيت لإعلان تلك الخطوة في ظل التطورات الجارية في المنطقة، وانشغال العالم بالمواجهات في البحر الأحمر، واستمرار حرب إسرائيل على غزة، حيث وجد آبي أحمد في هذه التطورات فرصة سانحة للحصول على منفذ بالبحر الأحمر كأمر واقع دون مواجهات كما كان يعتقد، وهو نفس السيناريو الاستغلالي الذي تم تنفيذه في ملف سد النهضة، إذ استغلت إثيوبيا الأوضاع التي مرت بها مصر في 2011؛ لتقوم بتنفيذ سد النهضة؛ حيث كانت الدولة المصرية ومؤسساتها مشغولة باستعادة الأمن والاستقرار، بينما وجدت أديس أبابا في هذه الأوضاع فرصة لتنفيذ هذا المخطط الذي بات يهدد الأمن القومي المصري، بل يهدد وجود الدولة المصرية.

المؤكد أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي تورط في صراع مع المجموعات العرقية في بلاده؛ مثل قبائل "أمهرة" و"تيجري" و"أورومو"، مما تسبب في خروج نحو 70% منها عن سيطرته، يحاول الإفلات من تداعيات هذه النزاعات، بمحاولة اللعب على وتر المصالح القومية للبلاد، ودغدغة مشاعر الشعب الإثيوبي بأنه يسعى إلى إيجاد منفذ لهم على البحر الأحمر، وتوجيه الإثيوبيين إلى معارك خارجية، في ضوء التداعيات التي بدأت تتفاعل مع الصومال، ومن هذا المنطلق حرص آبي أحمد خلال الفترة الأخيرة على إثارة الأزمات الخارجية؛ لإلهاء الشعب عن إخفاقات الداخل، وحمل خطابه الإعلامي نزعة عدوانية استعمارية، للدرجة التي دفعته إلى التهديد باحتلال الموانئ الإستراتيجية على البحر الأحمر بأي وسيلة، بل واستئناف الحرب ضد إريتريا التي حرمته من ميناء عصب، بعد أن فشل في مغامرته ضد إرتيريا، ويعتقد أن الانتصار على الصومال وإريتريا - وغيرهما - هو الحل الأمثل للتغلب على الأزمة السياسية المعقدة في إثيوبيا.

يقينًا أن مغامرة قادة إثيوبيا الجديدة سيكون مصيرها الفشل، ومساعيهم سوف تخيب، ومشروعهم سوف يسقط في البحر بفعل موقف مصر الحاسم، الذي أعلنه الرئيس السيسي أمس بعد قمة ناجحة مع الرئيس الصومالي شيخ محمود، فقد حملت كلمات الرئيس السيسي إنذارًا شديدًا وتحذيرًا حاسمًا مفاده أن مصر لن تسمح بتهديد أمن الصومال، وترفض اتفاقية أرض الصومال، وهي رسالة يفهمها كل من يهمه الأمر، فلاشك أن تحرك مصر لم يأت من فراغ، بل هو دفاع عن الأمن القومي المصري، بعد أن تأكدت نوايا إثيوبيا تجاه مصر، فالوجود العسكري الإثيوبي في البحر الأحمر، بمثابة تهديد صريح للأمن القومي المصري؛ إذ يسمح الاتفاق المزعوم لإثيوبيا بالوصول إلى سواحل جنوب البحر الأحمر، وهو ما يؤكد أن إثيوبيا أصبحت تتعامل مع مصر كعدو وليس كصديق، إذا ما أخذنا أيضًا موقفها المتشدد في قضية سد النهضة، وتهديدها الصريح للأمن المائي المصري.

إن الاتحاد الإفريقي يجب أن يضطلع بدور محوري في وأد هذه المغامرة الإثيوبية التي تهدد الأمن والسلم في منطقة البحر الأحمر، وعدم الاكتفاء بإصدار البيانات الإنشائية التي لا تقدم ولا تؤخر، بل تتسبب في تصعيد الأزمات، ويجب عليه أن يدعم الصومال الدولة العضو، التي تعرضت لانتهاك سافر لسيادتها من إثيوبيا، التي تستحق العقاب من الاتحاد - وفق ميثاقه التأسيسي - وأي تصرف غير ذلك هو نوع من التسويف الذي لا يليق، وتماهي مع اتفاق باطل شكلًا ومضمونًا يهدد سيادة دولة الصومال، وأمن البحر الأحمر، وهو ما ترفضه مصر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: