مبومالانجا: مشاعر لافتة ومدهشة بالنصر تسود كل الأوساط الشعبية والأهلية والرسمية بجمهورية جنوب إفريقيا، يلمسها الزائر –بكل سهولة ويسر- لتلك الدولة الإفريقية الشجاعة، مهما جاءت نتائج الأحكام، المتوقع صدورها من محكمة العدل الدولية، بخصوص الدعوى التي رفعتها بريتوريا ضد الكيان العنصري الصهيوني، بتهمة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، في فلسطين.
في مقالي السابق وعدت القارئ بأن أنقل إليه مشاهداتي لنبض الشارع الجنوب إفريقي، ومدى مساندته لحكومة الرئيس سيريل رامافوزا، بخصوص الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وجاء من حظي أن أشارك في مؤتمر قاري حاشد،حضره عشرات المندوبين الممثلين للمجتمع المدني المحلي، بكل شرائحه وتوجهاته، بالإضافة إلى المئات من مندوبي مختلف قارات العالم.
في جنوب إفريقيا، بلد نيلسون مانديلا، لا صوت يعلو على شعار حتمية تحرير الأراضي العربية من الاحتلال الصهيوني البغيض، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة- ذات السيادة- وعاصمتها القدس، وبالتالي، بات هذا الشعار يتردد في كل الكلمات التي ألقيت أمام المؤتمر الدولي، وتحمله يافطات طويلة-عريضة بكل مكان.
بمناسبة مرور 112 عاما على تأسيس المؤتمر الوطني الإفريقي، الحاكم، وفي الاحتفال الحاشد الذي أقيم بإستاد مقاطعة مبومالانجا، شرق جنوب إفريقيا، أكد الرئيس رامافوزا –مجددًا- أن جنوب إفريقيا لن تكون حرة حقًا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أنه لم يشعر بالفخر قط كما يشعر به اليوم عند رؤية رونالد لامولا، وزير العدل، وهو يدافع عن القضية الفلسطينية في محكمة العدل الدولية.
رامافوزا أضاف أن هدف جنوب إفريقيا من رفع الدعوى أمام محكمة العدل الدولية هو وقف الإبادة الجماعية في فلسطين، وقال: "الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، فنحن بلد صغير ولدينا اقتصاد صغير، وقد يهاجموننا، لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا، ولن نكون أحرارًا حقًا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني أيضًا".
في الطريق إلى جوهانسبرج طالعت سؤالا منشورًا على الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة البريطانية، BBC، بعنوان: كيف تحولت جنوب إفريقيا إلى "محبوبة" العرب؟ وفي مقاطعة مبومالانجا، الجنوب إفريقية- التي يستغرق زمن الوصول إليها بالسيارة من أكبر مدن الدولة نحو 4 ساعات- وجدت الإجابة عن السؤال.
الكلمات الشجاعة والمعبرة –تماما- عن التضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني التي عرضتها للتو على لسان الرئيس الجنوب إفريقي الشجاع، سيريل رامافوزا تردد صداها بالمقاطعة –نفسها- التي استضافت مؤتمرًا قاريًا في اليوم التالي، لتجديد التزام إفريقيا بمساندة الثورة الكوبية، حضره 245 مندوبًا من 28 دولة، حيث رفرفت الأعلام الفلسطينية بكل مكان، جنبًا إلى جنب مع علمي كوبا وجنوب إفريقيا.
نائب رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، بول ماشاتيل، الذي شرفت بلقائه على هامش المؤتمر، وأفاض في التعبير عن احترامه لمصر، شعبًا وحكومة وقيادة، أكد دعم بلاده لنضال الشعب الفلسطيني، وكرر الدعوة لوقف الحرب الظالمة التي يقترفها الكيان العنصري الصهيوني، وفتح الممرات وفك الحصار الجائر عن الفلسطينيين.
أمام المؤتمر وفي السياق نفسه، جاءت كلمات وزيرة الخارجية، ناليدي باندور، والمناضل البارز في مناهضة الفصل العنصري، الأب مايكل لابسي، ووردت -كذلك- في تصريحات -مسبقة- لوزير العدل رونالد لامولا، ونصها: "إسرائيل فشلت في دحض الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وغير قادرة على الإفلات من تهمة تهجير الشعب الفلسطيني، ولا التنصل من جرائم الحرب التي ارتكبها جيشها على الأرض، ولا من التصريحات العنصرية المنسوبة لحكومتها".
الوزيرة ناليدي باندور كانت قد أبدعت في الإجابة عن سؤال في برلمان بلادها بقولها، نصًا: "نحن نعلم أن هناك الكثير من الأخبار الزائفة التي تحاول إظهار الفلسطينيين بشكل سيئ، فيما الحقائق الساطعة تشير إلى أن شعب فلسطين محروم من حقه في الوجود كبشر، محروم من التمتع بالحريات والحقوق التي نحبها كجنوب إفريقيين، حقوق وحريات ناضلنا بشدة من أجل الحصول عليها، واتحدنا عليها كشعب جنوب إفريقي متنوع، وإذا اعتقد البعض أن هذه الحقوق والحريات يستحقها أحد دون الآخر، فهو خاطئ، وهذه ليست الطريقة الجنوب إفريقية".
روت الوزيرة ناليدي قصة جدها الذي توفي حزنا وكمدا، حيث كان خياطا يعمل بجد واجتهاد وأصابعه متعبة من الجلد، ويكسب ما يكفي من المال لشراء منزل، وبعد مرور عامين من استلام المنزل ليعيش فيه مع جدتها، جرى إعلان المنطقة للسكان البيض فقط، وفقد الجدان المنزل بدون تعويض، مما تسبب في موتهما حزنا وكمدا.
ربطت الوزيرة بين قصة جديها وبين ما حدث -ويحدث- في فلسطين قائلة: "لا أسعى لأي انتقام وأنا اليوم جزء من سعي لبناء عالم أفضل، إن الامتياز الذي تتمتع به جنوب إفريقيا الآن من دستور رائع ومؤسسات ديمقراطية ليس لنا فقط، بل يجب أن يصبح للجميع، وإذا كنا صادقين مع أنفسنا، سنقف ونقول علنا: ما يتم القيام به -من الكيان العنصري الصهيوني- في فلسطين غير مقبول، ولن نتظاهر بقبوله".
يبقى أن أشير إلى قرار المؤتمر الإفريقي السابع للتضامن مع كوبا بشأن فلسطين، وقد جاء فيه نصا: نحن، المندوبون في مؤتمر التضامن الإفريقي السابع مع كوبا، المنعقد في مبومالانجا بجنوب إفريقيا في الفترة من 15 إلى 17 يناير 2024، ندين الإبادة الجماعية الفاشية التي يرتكبها النظام الصهيوني العنصري، وندين بالقدر نفسه دعم الولايات المتحدة للإبادة الجماعية التي ترتكب في فلسطين، إن أيادي بايدن ونتنياهو، سوف تظل ملطخة إلى الأبد بدماء الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء، إننا ندين بشدة الاعتقالات الجماعية، والاحتلال المستمر للمنازل والأراضي، وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان ضد الشعب الفلسطيني.
لقد أدى القتل الجماعي اليومي للمواطنين على يد القوات الإسرائيلية إلى تحويل غزة إلى معسكر اعتقال وغرفة موت في فلسطين.
ومن خلال السماح بالأعمال الشنيعة- المذكورة أعلاه والمشاركة فيها بشكل نشط- فقد تولى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي جون بايدن المسئولية من حيث توقف هتلر وجوبلز. ونحن ندين الإبادة الجماعية التي ارتكبت بناء على طلبهم وبموافقتهم.
نحن نؤيد القرار الأممي المبدئي الذي اتخذته حكومة جنوب أفريقيا بتوجيه تهمة الإبادة الجماعية ضد إسرائيل في قصر السلام في لاهاي بهولندا. ونتعهد بدعمنا لنضال شعب فلسطين من أجل حقوق الإنسان والكرامة والحرية، وحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير. إننا نحث على وقف عاجل لإطلاق النار ووقف فوري للأعمال العدائية، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لشعب غزة.
[email protected]