لا شك أن تطورًا مستمرًا كل يوم فيما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط، حتى إن التطورات تلحق بما يدور حول الحرب الإجرامية الشعواء واللإنسانية على أبناء غزة الأبية، التي فقدت ما يربو على 25 ألف شهيد، غير الآلاف تحت الأنقاض، منذ الهجوم البربري عليها من قبل جيش كيان مشتت بلا وطن، يدعى الكيان الصهيوني المحتل، وبدعم أمريكي واضح ومبتذل، وهذه هي الصورة الوحيدة الثابتة، تزايد في أعداد الشهداء الفلسطينيين، وأعداد الجرحى والمصابين، والتدمير المتواصل والدفع للتهجير بلا رحمة، واستمرار القصف.
أما الأجواء المحيطة المتغيرة فهي جديرة بالرصد، خصوصًا من واقع تنوعها وحداثتها بالنسبة للقضية الفلسطينية على مر التاريخ، وبعد أن أحدثت خطوة جنوب إفريقيا بمحكمة العدل الدولية أصداء واسعة وهزت أركان الانحياز الأمريكي الأعمى للكيان المحتل، بدأ الأمريكان في انتهاج محاولات جديدة للتخلص من الضغوط العالمية والداخلية في هذا الشأن، وبالأخص بعد أن فقدت كثيرًا من شعبيتها وتشوهت صورتها في نظر المجتمع الدولي على مستوى الشعوب والكثير من الحكومات، حتى إن عضو مجلس الشيوخ الأمريكى بيرني ساندرز، اتهم أمريكا بالتواطؤ في الكابوس الذي يعيشه الفلسطينيون، وصرح بأنه يجد صعوبة في فهم سبب عدم تحرك الكونجرس لوقف معاناة الفلسطينيين والتعامل مع الكارثة الإنسانية التى تشهدها غزة، كما وصفت إليزابيث وارن، عضوة مجلس الشيوخ، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقامة دولة فلسطينية ضمن أي ترتيبات لما بعد الحرب بـ"الخطير"، فقد دعت واشنطن الكيان إلى تقليص الهجوم على غزة، وقالت إن إقامة دولة فلسطينية يجب أن يكون جزءًا من "اليوم التالي، وطالب البيت الأبيض ذاته بايدن باتخاذ تدابير مغايرة للتعامل مع استمرار الحرب في غزة، الأمر الذي عزا به إلى الإحباط بسبب عدم رغبة نتنياهو في مناقشة الوضع في غزة بعد الحرب، وقد صرح -وهو الداعم الأول للكيان- بأن ما تسمى إسرائيل لا تفعل ما يكفي لإدخال المساعدات إلى غزة.
وقد رفض رئيس وزراء الكيان المحتل من قبل اقتراح بلينكن بتسهيلات، مقابل قيام دولة فلسطينية، وذلك في الوقت الذي تتطلع فيه الإدارة الأمريكية إلى مرحلة ما هو أبعد من نتنياهو بالمنطقة، وإن خفتت آمال إعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد الحرب، حيث ارتباط ذلك بإقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، لكنها تواجه ذراعها الباطشة في الشرق، والعاجزة رغم صورة الدمار الكبرى التي تخلفها كل ساعة في قطاع غزة، على إنهاء المقاومة أو حتى إيقافها، ومع ذلك كرر نتنياهو في اتصال هاتفي أجراه مع بايدن موقفه، بأنه بعد القضاء على حماس، فإن إسرائيل يتعين عليها الاحتفاظ بسيطرة أمنية كاملة على قطاع غزة، لتجنب تشكيل أي تهديد على الكيان، وهو تصريح يتعارض بالطبع ويصطدم مع المطالبة بسيادة فلسطينية، متعهدًا بالمضي قدمًا في الهجوم على غزة حتى تحقق إسرائيل انتصارًا حاسمًا على حماس، وأن أي ترتيب يتعلق بالمستقبل، يحتاج إلى السيطرة الأمنية على جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن.
بالتوازي مع ذلك نجد المشرعين الأوروبيين، يعربون عن قلقهم إزاء الوضع الإنساني المتدهور بوتيرة متسارعة، والوخيم في قطاع غزة"، ويطالبون بإحياء فكرة "حل الدولتين" وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وقد تبنوا الأسبوع الماضي قرارًا يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، بشرط تفكيك حماس، وإطلاق سراح المحتجزين لديها، ورغم أنها المرة الأولى التي يدعو فيها البرلمان الأوروبي إلى وقف إطلاق النار بعد موافقة المشرعين في أكتوبر على الدعوة إلى "هدنة إنسانية، فقد تم تبني هذا القرار الرمزي وغير الملزم بأغلبية 312 صوتًا مؤيدًا مقابل 131 صوتًا وامتناع 72 عضوًا عن التصويت.
وبعد الأدلة الدامغة التي قدمتها جنوب إفريقيا وأثبتت فيها تورط الكيان في ارتكاب مجازر بحق الشعب الفلسطيني، مستندة إلى تصريحات المسئولين الإسرائيليين التي تدعو إلى ارتكاب إبادة جماعية مثل استخدام السلاح النووي ضد قطاع غزة، فقد أعلن مؤخرًا مكتب المدعي العام السويسري أن السلطات تلقت عددًا من الشكاوى الجنائية ضد إسحاق هرتسوغ رئيس الكيان المحتل، خلال مشاركته بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، حيث سيواجه الكيان باتهامات جرائم الحرب في غزة، كما أعلنت بلجيكا أنها ستدعم بشكل كامل القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا، والتي تتهم الكيان بارتكاب "جرائم إبادة جماعية"، وكذلك انضمت كل من تشيلي والمكسيك في الادعاء ضد الكيان للمطالبة بإجراء تحقيق في جرائم حرب محتملة، وقبل ذلك بنجلاديش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي وفنزويلا والجزائر.
ومع أن أغلب الأحكام التي من المتوقع أن تصدرها العدل الدولية خلال الأيام المقبلة، ليست ملزمة لكنها تشكل ضغطًا اخلاقيًا وقانونيًا على مجلس الأمن الدولي بضرورة إصدار قرار ملزم بوقف الحرب بشكل سريع، كما أنه في حال إثبات حالة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، فإنه يحق للشعب الفلسطيني وجنوب إفريقيا أن يطلبا من المدعي العام لمحكمة العدل الدولية إصدار أمر باعتقال نتنياهو وقادة حكومة الحرب المتطرفة.