تحية إلى ضيفنا هنريك إبسن

21-1-2024 | 15:56

ما من مثقف مصري لا يعرف النرويجي هنريك إبسن أبوالمسرح الحديث، والذي كان منارة للمسرحيين المصريين لسنوات عدة، بـ"بيت الدمية" و"البطة البرية" و"الأشباح" وغيرها من أعمال أو كل أعماله تقريبًا، والتي تُرجمت إلى اللغة العربية وعرفت طريقها إلى المسرح المصري. 

ورغم شهرته الواسعة عالميًا وريادته المسرحية لم يفز بجائزة نوبل أبدًا، حتى لا يأسى الكتاب العرب، رغم حصول نرويجيين أقل منه تأثيرًا على الجائزة المرموقة، وكانت الجائزة في نسختها الأخيرة لعام 2023 قد ذهبت إلى مواطنه الكاتب المسرحي يون فوسه، والنرويجيون من أوائل من حصلوا عليها، مثل: الشاعر "بيورنستيارنه بيورنسون"‏ الذي حازها بعد عامين فقط من إطلاقها، وكان ذلك في عام 1903، ثم الروائي كنوت هامسون عام 1920، والذي كان قاسيًا في نقده لإنجاز إبسن الإبداعي، وبعده حازتها الروائية سيجريد أوندست عام 1928.

واستُلهمت مسرحيات إبسن الذي تمر على وفاته 118 عامًا على خشبة المسرح المصري بواسطة المسرح القومي وفرق عدة، كما كانت مسرحية "عدو الشعب" على سبيل المثال مقررةً على طلاب المدارس في الثلاثينيات من القرن الماضي، وقبل ذلك كان إبسن قد زار مصر ممثلا لملك النرويج في احتفالات افتتاح قناة السويس عام 1869، والتقى الخديو إسماعيل، الذي منحه وسام المجيدي التركي، وقبل حضوره القاهرة بعامين صدرت له مسرحية "بيرجنت"؛ حيث أبوالهول مصدرًا للبطل في الوصول إلى الحقيقة. 

وتمر السنون لتختتم مصر مع العالم احتفالية مئوية إبسن أمام تمثال أبوالهول بالتحديد وبحضور ملكة السويد سنة 2006. واحتفلت المؤسسات الثقافية المصرية بتلك المناسبة؛ المجلس الأعلى للثقافة، ومسرح الهناجر، ومكتبة الاسكندرية. 

وفي شهر أكتوبر الماضي (بمناسبة 21 عامًا على افتتاحها) احتفلت مكتبة الإسكندرية تحت عنوان "إحياء الأسطورة" بالفريق النرويجي الفائز بتصميم المكتبة، وأشار عضو بالفريق كريج دايجر إلى عملهم الجماعي والمصادر التي استعانوا بها، ومنها رواية "ميرامار" لنجيب محفوظ، التي أعطتهم فكرة عن الإسكندرية وسكانها.
 
هذا بعض من حضور الذاكرة لمناسبة اختيار النرويج كضيف شرف الدورة الـ55 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ودائمًا ما يقدم ضيف الشرف ثقافته، من خلال الكتب والمبدعين والأمسيات.

وذكرت سفيرة النرويج في مصر هيلدا كليميتسدال أن المعرض سيكون فرصة لحضور وتقديم مجموعة من الكتاب والمبدعين من بلادها خلال فعاليات برنامج خاص: الكاتب تيرجي تيفيدت وهو مؤلف كتاب عن النيل، والكاتب جوستاين غاردر، والكاتبة  لين ستالسبيرج، كما يخصص يوم كامل لآخر الفائزين بنوبل يون فوسه، كذلك يحتفي بهنريك إبسن، وبأدب الطفل، وأكدت سفيرة النرويج «أهمية تعزيز عملية ترجمة الكتب من النرويجية إلى العربية والعكس"، وقالت إنها تأمل فى أن تتم ترجمة أعمال "يون فوسه" الحائز على نوبل أخيرًا إلى اللغة العربية.

واعتبرت وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني وجود النرويج ضيف شرف المعرض، توجهًا مهمًا للثقافة العربية نحو التخاطب مع ثقافة شمال أوروبا، وتعريف الآخر بالإبداع المصرى والعربى، مما يتيح آفاقًا رحبة للتبادل الثقافى، والإبداعى، والتفاعل المباشر بين المبدعين والجمهور، بمختلف مشاربه وروافده الثقافية، والانفتاح على الثقافات الإنسانية، ربما أيضًا وباعتبار المعرفة حجابًا من الأذى، فإن كبار مثقفي هذا البلد من شبه الجزيرة الإسكندنافية، وهم يحضرون ثاني أكبر معرض كتاب في العالم بعد معرض فرانكفورت، يجدون الفرصة للاقتراب من المنطقة العربية التي يقدس أغلب سكانها القرآن الكريم والكتب السماوية ومقدسات الآخر، وكانت الدانمرك قد أصدرت أخيرًا تشريعًا يمنع إهانة الرموز والمقدسات الدينية كافة، في خطوة تمنى الأزهر الشريف أن يحتذيها الآخرون.
 
لا أنهي قبل أن أذكر أنني وأنا أبحث عن مادة لهذا المقال فقد صادفت كتابًا مهمًا بعنوان: "هنريك إبسن سيرة حياة.. كل شيء أو لا شيء" تأليف ستاين إيريك لوند وترجمة زكية خيرهم الشنقيطي (مكتبة جزيرة الورد ـ الطبعة الأولى ـ سنة 2012) خصوصًا حول تشابه طريقته في الكتابة وأنماط من السلوك اليومي مع نجيب محفوظ؛ حيث يستيقظ إبسن مبكرًا ويتناول إفطاره، ويجلس للكتابة في التاسعة صباحًا، ويترك القلم الساعة 11، حتى ولو كان في منتصف الجملة، ثم ينهض ليرتدي معطفه وقبعته ويأخذ مظلته ويمشي في الطريق إلى المقهى، قاطعًا شوارع مدينته كريستيانيا، وأمام ساعة الجامعة، يقف ويتحقق من ساعته، وفي مقهى جراند حيث يصل في تمام الساعة 12 ظهرًا، ليجلس خلف لوحة باسمه، قبل أن يأتي النادل بمشروبه، بينما هو يطالع الجرائد في صمت وتركيز. 

وبينما يحاول المارة رؤيته من وراء الزجاج، فإنه لا يقابل أحدًا إلا بموعد سابق. وعند الواحدة يخرج من باب المقهى في طريق العودة إلى منزله في شارع آربيين، وهناك يأخذ قسطًا من الراحة ثم يعود إلى الكتابة، هو إذن أحد رجال الساعة العظام، مثل نجيب محفوظ، الذين يمكن أن يضبط الناس ساعتهم عليهم.
 
وفي سنواته الأخيرة بات يستأجر عربة يجرها حصان للوصول إلى المقهى، حتى في الشتاء القارس، ويطلب من السائق المضي عبر الطريق إلى المسرح الوطني؛ حيث يلقي نظرة إعجاب على تمثاله.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: