Close ad

الميكيافيلية المصرية.. وتحطيم النظرية !

18-1-2024 | 12:06

أعرف مسبقًا أن هذا المقال؛ سيكون ضربة موجعة في روح وقلوب جماعات الإرهاب (إياها)؛ من محترفي محاولة توريط مصر في مناوشات أو حروب جانبية؛ المقصود منها اهتزاز حصون كرامتها وعزتها؛ وتأرجح مكانتها على خريطة العالم الحر؛ والمساس بمكانتها الوطيدة؛ ودورها القيادي على الخريطة العربية!

وأقصد هنا.. موقف تلك الجماعات من موقف القيادة المصرية تجاه ما يجري في قطاع غزة ـ الفلسطينية ـ قلبًا وقالبًا؛ وتصويره على أنه موقف متخاذل ـ لأنه لا يحقق أهواءهم الماكرة؛ وتفعيل أجندتهم الخبيثة في تحقيق حلمهم القميء ـ بحسب طلب سدنتهم منذ قرون ـ في نزوح أصحاب الأرض إلى سيناء المصرية؛ ومحاولتهم صرف أنظار العالم عن القضية الكبرى وهي قضية فلسطين؛ فإن تلك الجماعات تحاول جاهدة تحجيم الموضوع في مسألة (غزة) لإلهاء الجميع عن حق الشعب الفلسطيني في استعادة كامل أراضيه وسيادته عليها.

إن مصر بقيادتها الوطنية المخلصة للقضايا العربية وعلى رأسها قضية العرب الكبرى؛ تعي تمامًا أبعاد وأهداف تلك المخططات العدوانية؛ ولكنها ـ بالتحليل المنطقي للأوضاع العالمية ـ تستخدم ما أسميه بطريقة "الميكيافيلية المصرية" لتحطيم النظرية الأصلية التي تقول: إن الغاية.. تبرر الوسيلة!؛ ولكن مصر تعمل باختلاف تلك التوجهات والمقاصد التي تستهدفها "نظرية ميكافيلي"؛ ولا تستخدم "الوسائل غير المشروعة"_بحسب أهداف صاحب النظرية للوصول إلى الغايات المنشودة؛ ولكن مصر تنتهج السياسات المشروعة في العلانية؛ وتتمسك بالنظرية التي تحطم "نظرية ميكافيلي؛ لتحقق نظرية المثل الشعبي المصري العبقري الذي يقول: "إللي تكسب بُه.. إلعب بُه"؛ ويا لها من سياسة حكيمة رشيدة؛ تعرف أبعادها و.. وقع أثرها الكبير على المناوئين لها ولسياساتها العقلانية المنفتحة على متغيرات السياسة الدولية؛ ولكي تضع العالم بأسره أمام التزاماته الإنسانية؛ ودعوني أفتح قوسًا داخل الجملة الاعتراضية (فالمعروف والمُعلن أن جماعات الإخوان تؤيد بضراوة إنشاء وطن قومي للفلسطينيين داخل سيناء) لتحقيق مخططاتهم القديمة ــ

ولأنها تعلم تمامًا أن قدرها أن تكون دائمًا على الجانب الصحيح من النهر؛ وليكون الانتصار آخر المطاف حليفًا لأصحاب الحقوق في أرض وطنهم الحبيب منذ بدء الخليقة؛ وقد توالت البيانات الرسمية المصرية؛ والعديد من الاتصالات التي أجراها الرئيس عبدالفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري، مع قادة ومسئولين من دول عدة؛ للدفع باتجاه التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار؛ وليؤكد الرئيس: "... إن مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية، ولن تتهاون كذلك في حماية أمنها القومي ... ". 

وعلى ضوء هذا الموقف الوطني؛ قامت مصر ــ منذ اللحظات الاولى للمواجهة ــ بدعوة الجميع إلى ضبط النفس؛ والتمسك بمنع خروج الأجانب من قطاع غزة عبر معبر رفح؛ إن لم تسمح إسرائيل بإدخال المساعدات لأهل القطاع؛ وإعلانها في تصريحات متكررة بأن سياستها ليست مستباحة؛ وأن أمن مصر القومي له كل الأولوية والتأييد!

وانتصرت الإرادة المصرية

واخيرًا.. أشاد العالم بجهود الدولة المصرية بجميع أجهزتها المعنية من أجل تسهيل دخول الصحافي والإعلامي الفلسطيني المناضل "وائل الدحدوح" إلى مصر لاستكمال علاجه بدولة قطر؛ فهو ـ بكل الأمانة والصدق ــ البطل الشجاع رابط الجأش؛ الذي قدم أسرته فداءً للقضية الفلسطينية راضيًا بقضاء الله وقدره فاستحق احترام الشعب المصرى كله؛ بل والشعوب العربية والعالمية المُحبة للأمن والسلام والعدل.. والحرية.

وهذا هو موقف مصر المحروسة على مدى خمسٍ وسبعين عامًا ـ هي عمر القضية الفلسطينية ــ والتي لم تتخل فيها في كل المحافل السياسية الدولية عن القضية؛ أو مساعدة أبنائها بكل ما لديها من إمكانات مادية أو عينية.. أو بشرية .. أو لوجستية.

إنني لا أسوق التبريرات والمبررات الواهية؛ ولكنني أؤمن أشد الإيمان بموقف قيادة مصر الوطنية المخلصة لقضاياها وقضايا أمتها؛ ونؤيد مسيرتها في كل المواقف والتصرفات العقلانية طبقًا للظروف المحيطة بعالم "العولمة" المخيف والمدجج بكل ترسانات الدمار؛ وينبع هذا الإيمان للمحافظة على كيان الدولة؛ والحرص على عدم الانسياق إلى ما يدعونها إليه للدخول وسط معمعة الحروب الجانبية التي لا تؤتي ثمارها؛ وتعرف الدولة أن لكل حدثٍ حديثًا ورد فعل؛ بما يعود عليها وعلى شعبها الآمن بكامل الطمأنينة؛ وتعرف أن الحقوق آتية آتية لامحالة؛ وبكل ما يحافظ على كرامتها وقوتها وانتصاراتها بمشيئة الله: ونعرف أن "الغاية" لا تبررها الوسائل غير المشروعة؛ وحتى تكون مواقفها المُعلنة تتناسب مع المواثيق والأعراف الدولية؛ فكم من مواقف عسيرة ـ عبر تاريخها القديم والحديث ومنذ أيام الاحتلال الغاشم ـ انتصرت فيها؛ وخرجت بكل القوة؛ كما يخرج طائر التنين الخرافي من بين أنقاض الحِمَمْ والبراكين!

إنها لعبة السياسة بالسياسة.. فلا تتعجلوا.. فالنصر قادم بقلوب أبناء الوطن الأوفياء.

* أستاذ العلوم اللغوية والتأليف والكتابة الإبداعية بأكاديمية الفنون
ورئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق وعضو اتحاد كتاب مصر

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة