إسرائيل في قفص الاتهام

17-1-2024 | 15:11

تحكم العلاقات الدولية في عالم اليوم حسابات القوة والمصالح والقطب الأوحد، وليس مفاهيم العدالة واحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، وينطبق هذا القول بكل وضوح على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني الحالي؛ فعلى الرغم من الخسائر التي لحقت بإسرائيل على مختلف الأصعدة منذ السابع من أكتوبر، تظل فصائل المقاومة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية هي الطرف الأضعف في هذا الصراع.

وبالتالي، فقد تكون محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية بحق شعب غزة هي نقطة ضوء في وسط هذه العتمة، وهي الاستثناء الذي يستطيع من خلاله الطرف الأضعف فرض إرادته، حتى وإن كان المردود معنويًا أو دبلوماسيًا فقط.

ففي سابقة غير معهودة، تقف إسرائيل موقف المتهم وتُسلط عليها الأضواء كدولة ترتكب جريمة الإبادة الجماعية في حق شعب أعزل، وللمرة الأولى تدافع إسرائيل عن نفسها أمام قضاة؛ في محاولة لتبرئة نفسها من جرم مشهود.

هذه المحاكمة إنما هي ضربة قاصمة للصورة التي تروجها إسرائيل على امتداد تاريخها كواحة للديمقراطية والحداثة في وسط صحراء التخلف العربية، فها هي الدولة التي تدعي أنها امتداد لأنماط الحكم المتقدمة في الغرب تقوم بإبادة الأطفال والنساء وتُجهز على كل معاني الحياة في غزة.

في الداخل الإسرائيلي، انتابت الأوساط الرسمية حالة من القلق على إثر المحاكمة وأثرها المحرج لإسرائيل وحلفائها في المجتمع الدولي، وخفتت إلى حد كبير حدة تصريحاتهم بخصوص التعرض للمدنيين في غزة، فنتنياهو من جانبه، حاول أن يتنصل من تصريحات مسئولية المتطرفين، وقال إن ما يهم هو ليس تصريحات الأطياف السياسية، وإنما سياسة الحكومة وواقع العمليات العسكرية على الأرض. 

وتحدثت صحيفة هآرتس عن قبول المزاج العام الشعبي لقتل الآلاف من المدنيين للضغط على حماس، وأشارت إلى تورط أعضاء في مجلس الحرب وفي الحكومة، الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، في تصريحات تنم عن إشارات بارتكاب جرائم حرب مثل فكرة الترانسفير والتجويع ومحو غزة وإسقاط قنبلة ذرية عليها، وتعلق الصحيفة، أنه لا بد من استبعاد هؤلاء المتطرفين كبادرة قد تساعد على عدم بلوغ إسرائيل مرتبة مجرم حرب.

لن تدين أحكام محكمة العدل الدولية إسرائيل وحدها، بل الولايات المتحدة أيضًا، فهي الداعم والممول الرئيسي، وهي من تصدى بالفيتو لمحاولات استصدار قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، وهي أيضًا من سمحت لإسرائيل بسحب واستخدام كميات كبيرة من احتياطي الذخيرة الأمريكية الموجود أصلا في مخازن سرية في إسرائيل، بحسب تقارير صحفية، هذه الإدانة المتوقعة ستبرز تناقضات السياسة الخارجية الأمريكية، ما بين السياسة المعلنة من رعاية وحماية مبادئ الديمقراطية وحقوق الأقليات والإنسان من جانب، وما بين السياسة الحقيقية الداعمة لإسرائيل وأمنها، حتى ولو تورطت بشكل مباشر في جرائم حرب وإبادة جماعية.

إذا وافقت المحكمة على إصدار قرار بإجراءات مؤقتة تتضمن وقف العمليات العسكرية فستضع إسرائيل والولايات المتحدة في موقف بالغ الحرج، فمن ناحية ستستمر إسرائيل في عدوانها؛ مما يعني أنها لا تعبأ بمؤسسات الأمم المتحدة، ولا تهتم بموقف المجتمع الدولي المناوئ لاستمرار الحرب؛ مما سيفرض مزيدًا من العزلة الدولية على إسرائيل، ومن ناحية أخرى فستدفع الولايات المتحدة ثمنًا أكبر لدعمها الأعمى لإسرائيل، وستضع نفسها في موضع المشارك في عمليات إبادة جماعية أمام مواطنيها وأمام العالم أجمع.

تمتد تداعيات هذه المحاكمة في أكثر من اتجاه، فمن ناحية ستُكسب القضية الفلسطينية مزيدًا من تعاطف الرأي العام العالمي، ومن ناحية أخرى ستفتح الباب لأداة جديدة من أدوات الصراع مع إسرائيل؛ ألا وهي المحاكم الدولية، ومن ناحية ثالثة ربما تفقد إسرائيل بسبب هذه المحاكمة بعضًا من أنواع التعاون العسكري مع الدول التي تمنع قوانينها أي تفاهمات عسكرية مع الدول المتورطة في أعمال إبادة جماعية.

وهنا أجد أن أمام مصر والأردن فرصة لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من هذه المحاكمة ومآلاتها؛ لتشكيل حالة من الزخم والضغط الدولي على إسرائيل لوقف أعمالها العدائية، وبالأخص التهجير القسري للفلسطينيين.

وقوف إسرائيل في قفص الاتهام أمام محكمة العدل الدولية ما هو إلا نتيجة حتمية لصرخات أصحاب الأرض وتضحياتهم في سبيل الحق، وكلي يقين أن الأحكام النهائية ستُعري دثار الباطل الإسرائيلي وتفضح أكاذيبه، وتُجلي الحقيقة في سجلات التاريخ.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة