"لم أشعر قط بالفخر الذي أشعر به اليوم بينما كان محامونا يدافعون عن قضيتنا في لاهاي، ولن نكون أحرارًا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني"؛ هذا ما قاله "سيريل رامافوزا" رئيس جنوب إفريقيا، وتكلم "جون لوك مينلشون" زعيم اليسار في فرنسا بلسان "كل" الأحرار في العالم، فقال لجنوب إفريقيا: "مليون شكرًا لإعادة الإنسانية إلى الواجهة في هذا الوضع المخجل، فنحن في مجتمع دولي غير متكامل، ولكن أمام قانون الحق وليس سياسة الاستقواء".
نتفق مع محامية جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في قولها عن مذابح الصهاينة في غزة: "أنها أول إبادة جماعية تبث ضحاياها قتلهم على الهواء مباشرة وأن “إسرائيل” تتعمد تجويع الفلسطينيين والتسبب في مجاعة غير مسبوقة وتمنع إدخال المساعدات الإنسانية وتعرض غزة لأعنف قصف في التاريخ الحديث" وانتقدت خذلان المجتمع الدولي لغزة..
المضحك زعم “إسرائيل” أن جنوب إفريقيا هي الذراع القانونية لحركة حماس في دليل واضح على الارتباك بعد صفعة المحاكمة، وقال نتنياهو: "صراخ نفاق جنوب إفريقيا يصل إلى السماء والجيش "الإسرائيلي" هو الأكثر أخلاقية في العالم!!"، وطالب وزير الاتصالات الصهيوني بمواصلة الضغط على الفلسطينيين بالحرب والتجويع لتهجيرهم قسرًا.
حُفر يوم 11 يناير 2024 في تاريخ “إسرائيل” بغض النظر عن النتيجة؛ فلأول مرة تقدم للمحاكمة واتهمتها جنوب إفريقيا في دعوى أمام محكمة العدل الدولية بإبادة الفلسطينيين في غزة، وأن ما جرى في السابع من أكتوبر لا يبرر ذلك.
أعلنت دول كثيرة تأييدها وانضمامها لطلب المحاكمة وقامت منظمة هيومن رايتس ووتش بدعم القضية ضد الصهاينة، وأعلن ملك أسبانيا تأييده لإقامة دولة فلسطينية.
"من أمن العقوبة أساء الأدب"؛ حقيقة يؤكدها الصهاينة دوما بمواصلة الاعتداء على غزة وهدم البيوت على رؤوس سكانها؛ وأكد سفير جنوب إفريقيا في هولندا، أن الإفلات من العقاب شجع “إسرائيل” على الفصل العنصري 75 عامًا و16 عامًا من الحصار المفروض على غزة.
وصدق وزير العدل في جنوب إفريقيا في تأكيده أن "إسرائيل" تريد القضاء على حياة الفلسطينيين في غزة، وأن ذلك لم يبدأ في السابع من أكتوبر بل قبل 76 عامًا وصف وزراء "إسرائيليون" وأعضاء برلمان وجنرالات عسكريون الشعب الفلسطيني بأنهم "حيوانات بشرية" وصرحوا بأنهم يريدون محو الشعب الفلسطيني من غزة، وهذا تحريض على الإبادة الجماعية، ويجب مقاومتها ومكافحتها".
أسمعت جنوب إفريقيا العالم أجمع ما يجب عليهم سماعه، وما يتهرب البعض من سماعه أو "الادعاء" بأنهم لا يعرفونه؛ ليواصلوا تبرير جرائم الصهاينة بسبب عنصريتهم البغيضة؛ وإلا بماذا نفسر الصمت الغربي عن وصف وزير الحرب الصهيوني الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية"، وأنه أمر بفرض حصار كامل عليهم في غزة، فلا يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، وكل شيء مغلق، ورد باحث صهيوني بأن هذا الوصف به تحقير للحيوانات!!.
وقول صحفي صهيوني: "لا يهمني تضور أطفال غزة جوعًا حتى الموت أو عاشوا في أنابيب الصرف الصحي أو أكلوا خبزًا متعفنًا!!"، ومطالبة وزير التراث الصهيوني بتهجير الفلسطينيين من غزة.
وماذا لو قال مسئول عربي "إن اليهود لا يستحقون الحياة؟"، ألن يثور العالم ولا يهدأ ويسارع بعقابه بقسوة؟
خسرت "إسرائيل" وستخسر أكثر هي وأمريكا وكل حلفائها سياسيًا وإعلاميًا في هذه المحاكمة؛ فهذا الحدث سيشكل سابقة وسيدفع دولًا أخرى لتقديم دعاوى مماثلة لمحكمة العدل الدولية ولمحكمة الجنائيات الدولية.
قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت": "بسبب الاهتمام الإعلامي الكبير، جنوب إفريقيا حققت النصر في محكمة العدل الدولية، والإجراءات في المحكمة الدولية هي نصر للفلسطينيين في الحرب، حتى بدون صدور قرار مؤقت".
أما ألمانيا، فكعادتها منذ عقود في العداء لكل ما هو عربي وإسلامي، تضامنت مع الصهاينة أمام محكمة العدل الدولية، ورفضت الاتهامات ضدها، ووصفتها بأنها لا أساس لها.
"إسرائيل" في مأزق تاريخي وسياسي غير مسبوق؛ فدائمًا تروج لنفسها "كضحية" للنازية؛ والمحاكمة ستزيل تهمة الإرهاب عن المقاومة وستضعها لمن يستحقها من الصهاينة ومن يساندهم. وستسقط الأقنعة ليس عن "إسرائيل" وحدها؛ ولكن عن حلفائها أيضًا وعن غالبية الإعلام الغربي والأمريكي، الذي جدد اختياره للوقوف مع إبادة غزة؛ ورفض إذاعة ما قالته محامية جنوب إفريقيا، وأذاع فقط دفاع الصهاينة المهترئ والساذج، والزعم بأن "إسرائيل" هي التي تتعرض للإبادة الجماعية من قبل المقاومة في غزة، وفاتهم أن وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بدور الإعلام حاليًا، "وفضحت" الصهاينة وأعوانهم!!
وأكدت توافر نية الإبادة الجماعية والتعامل بأن العدو ليس حماس، وإنما نسيج حياة الفلسطينيين في غزة، وونشرت احتفال جنود الصهاينة بهدم البيوت والمدن والقرى الفلسطينية، والتقاط الصور معها وهم يدخنون "ويزغردون" ويقودون الدراجات التي سرقوها من هذه البيوت.
قالت "نيويورك تايمز" إن جنوب إفريقيا تتحدى النظام في الغرب برفعها قضية الإبادة ضد “إسرائيل”، وتدرك جنوب إفريقيا أنها تسير عكس التيار، وتخاطر بتعريض نفسها لعقاب من أمريكا ودول الغرب الاستعمارية، ولكن ذلك لم يجعلها تتراجع، فقال رئيسها "سيريل رامافوزا": "البعض يرى أن الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، ونحن بلد صغير واقتصادنا صغير وقد يهاجموننا، لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا".
وختم ممثل جنوب إفريقيا كلامه أمام محكمة العدل الدولية بقوله: "غزة تمثل فشلًا أخلاقيًا، ويجب على العالم أن يشعر بالرعب والغضب، لا يوجد مكان آمن في غزة، والعالم يجب أن يشعر بالخجل".