يبدو أن مصر تقترب من افتتاح متحفها الكبير، وإن لم يحدد موعده بعد، لكنه في غضون العام الحالي، ويمكن التفكير في المناطق المحيطة بالمتحف باعتبارها إما تصدر المظاهر الإيجابية أو السلبية لسكان تلك المناطق، والذين سيكونون حتمًا جزءًا من المشهد السياحي العام، وفيما يفتح المتحف أبوابه فإن راغبي زيارته من كل أنحاء العالم، سيجولون في المحيط العبقري من حوله، وربما إلى أبعد نقطة يمكن الوصول إليها، وهذا يستدعي الاهتمام بنواحٍ عدة في الخدمة السياحية المقدمة للزائرين، بما في ذلك ملف شديد الارتباط بالرحلة بصفة عامة، وهو تجارة الهدايا.
وترتبط تجارة الهدايا بشكل وثيق بشهرة أنواع محددة في كل بلد، كوصف لقيمة أو شهرة سلعة ما، أو ما يطلق عليه باللغة الانجليزية الـ brand وهو ما يتوسع فيه شبابنا ويقبلون على شرائه أو تذوقه، وكثيرًا ما أحتار في هذا الأمر، عندما لا أجد الكثير من الـ brand في مصر، مطاعم، ماركات ملابس، كافيهات، وهدايا تذكارية.
أما تجارة الهدايا فهي نشاط تهتم به كل دولة وخصوصًا الدول السياحية، ويعرف المسافرون في بلاد كثيرة بماذا يجلبون من الهدايا لبيوتهم وأصدقائهم، بينما يطلب منهم أحيانًا أنواع معينة من هذه الدول مما تشتهر به من منتجات طبيعية أو صناعية.
وعندما سألت عن نوعية الهدايا التي يحرص عليها الضيوف الأجانب لمصر من سياح وغير سياح، فقد تربعت الهدية الفرعونية على رأس القائمة؛ ورق بردي، تي شيرتات وعبايات، قطع أثرية مقلدة من تماثيل، للأهرامات وأبوالهول، وقناع توت عنخ آمون ونفرتيتي، لوحات زيتية أو نحاسية غالبًا لمناظر فرعونية، عبايات كرداسة، وأحيانًا ملابس جلدية عندما كنا متفوقين في صناعة الجلود، وعندما كان لدينا ما نذبحه منها وما ندبغه من جلودها، مثل الشنط والأحذية والجواكت.
هذا ليس أمرًا هينًا، وهذه تجارة يمكن أن تزدهر ولكن بشروط..
دخل السياحة في مصر في السنة المالية 2022/ 2023 بلغ 13.6 مليار دولار، وربما تناقص الدخل حاليًا بسبب الحرب الإسرائيلية ضد سكان غزة، وكذلك مخاوف البعض من ألا تكون المنطقة آمنة للأجانب بسبب غليان الشعوب.
وهذه الشروط في مقدمتها السمعة التي تخضع ومن المهم أن تخضع باستمرار إلى مراجعة وإعادة اكتشاف ورؤية وتطوير، مثلها مثل الشركات العالمية، ونعرف أن ماركات عالمية شهيرة اندثرت وكانت ملء السمع والبصر لأنها لم تطور نفسها ولم تستجب للتحديات.
ثانيها الجودة، لأنه من دون إتقان صناعة ما يعرض في سوق الهدايا فإن المنتجين لها والبائعين والمسوقين قد ينجحوا في البيع في بداية الأمر، ولكنهم لن ينجحوا للنهاية، فسوق الهدايا محدودة رغم اتساع العالم، بمعنى أن من يدفع مالا في هدية غير متقنة لن يصمت أبدًا، وسوف يفضح المنتج والبائع والبلد ذاتها، ويفرج العالم على هدية أبنه أو زوجته أو صديقه التي كسرت في علبتها أو فور تعليقها وتثبيتها على جدار.
ثالثها الأمانة والصدق، لأن التخلي السهل عنهما كنوع من الشطارة سيولد في نفس المشتري كراهية لا حدود لها لمنتجات البلد كلها، ولا أحد يحب أن يكون مثارًا للضحك والسخرية، ولا يرد، فضلا عن أن شرط الأمانة والصدق يشمل أيضًا سعر الهدية.
رابعها الكفاءة الحكومية في متابعة ومراقبة صناعة ومتاجر وأكشاك بيع الهدايا التذكارية؛ لأن مجهودات عريضة في جذب السياحة سوف تفقد جدواها فور فتح هدية ذات صناعة رديئة، فالسائح عند عودته إلى بيته، وعلى وسائل التواصل، فإن انطباعه أكثر إقناعًا من عشرات الحملات المدفوعة.
وخامسها السمعة الجيدة التي يجب رسمها ونشرها والإيمان بها لترسخ في الأذهان هنا وفي الخارج، لكل من يضع قدمه في السوق السياحي.
وأخيرًا، الإيمان بالسياحة كأحد أهم فرص أكل العيش في مصر، وأن البلد تستحق أن يأتيها أضعاف الرقم الحالي والأهم أن يحافظ كثير من السياح على العودة ثانية لشرب ماء النيل، وبسبب المعاملة المحترمة التي يلقونها، وليس مرة واحدة وأخيرة، وبالتالي يجب وقف استغلال السائح من قبل البازار والتاكسي وصاحب الجمال والخيول في الصحراء وهواة التسول في الشوارع المحيطة بالآثار والمتاحف بكل حزم، فغالبية هؤلاء لا يعنيهم ذبح الفرخة التي تقدم لنا كل يوم بيضة من ذهب، وكذلك إلغاء -وإلى الأبد- فكرة ازدواجية أسعار الدخول للأماكن السياحية أو المتاحف للمصريين والأجانب.
بينما يجب أن تهتم الحكومة بمراقبة ودعم صناعة الهدايا ذات الطابع الفرعوني وكذلك منتجات البردي وصناعة الفخار، واختبار جودتها وكتابة مدونة سلوك لصانعيها وتجارها في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نعيشها.
وهذه الشروط والجهود لن تحسن فقط من أرقام السياحة في الميزانية الحكومية ولدى الأشخاص العاملين فيها، وإنما سوف تحسن من السمعة القومية للبلاد في الخارج.
إن الهدية التي سيحملها الأجنبي وهو عائد إلى بلده، وفي المجمل المنتج السياحي لهو أحد أهم أذرع القوى الناعمة في مصر، والكفيل بتسويق صورة إيجابية تزيذ من وزننا النسبي في الإقليم، لو أدركنا أهميته شعبًا وحكومة.