Close ad

مزاد على صندوق مغلق

10-1-2024 | 18:01

كانت لدينا في الماضي هوايات عديدة، أحلام بسيطة لكن جميلة، كنا نستمتع بأشياء صغيرة وعزيزة على قلوبنا، لم يكن شرطًا أن تكون هذه الأشياء باهظة الثمن، ولكنها في الحقيقة كانت عالية القيمة وعظيمة الفائدة.

كانت القراءة تستهويني وتشعرني ببعض حريتي التي كان ينتزع أغلبها مني أبي؛ فقد كان متشددًا للغاية نظرًا لانحداره من أصول صعيدية، كانت تزداد حدة طباعه ورفضه شبه التام للخروج من المنزل خاصة في فترة الإجازة الصيفية؛ حتى أني كنت أنتظر بداية كل عام دراسي جديد بلهفة وشوق عظيمين على عكس الكثيرين.

أعود إلى حكايتي مع مجلتي المفضلة في هذه المرحلة من مراحل عمري، مجلتي التي كنت أقتصد من مصروفي خصيصًا من أجل شرائها والحصول عليها، كان اسمها مجلة الشباب وعلوم المستقبل؛ وهى إحدى إصدارات مؤسسة الأهرام الصحفية العريقة، كانت هذه المجلة تهتم بالعلوم والتكنولوجيا فقط في بداياتها، لكن موضوعاتها تنوعت فيما بعد وأصبحت تشتمل على العديد من ألوان الفكر والأدب والعلوم الإنسانية. 

كانت مجلة شيقة وممتعة تزخر بالعديد من المعلومات، وفي مرة من المرات كنت أتصفح أحد أعدادها، ثم وقع بصري فجأة على عنوان مثير لطرفة تحمل عنوان: "مزاد على صندوق مغلق"، كالعادة تعلقت بها وعكفت على قراءتها كي أتمكن من اختطاف بعض الضحكات النابعة من القلب وأهجر منطقة الجدية التي تم حصاري بداخلها بواسطة حدة وصرامة أبي. 

الطرفة أتت أحداثها من زمن بعيد، زمن الخلافة الإسلامية، بدأت الأحداث بعثور أحد الأشخاص على صندوق ضخم؛ وجده مصادفة تحت جدار قديم ومتهدم داخل بيته البسيط، حمل الرجل الصندوق وشارك جيرانه الخبر، ليقاسموه فرحته في زمن غير الزمن، وبعد قليل تناثر الخبر حتى وصل إلى قصر الخليفة الذي كان يحكم المدينة، أمر الخليفة جنوده بالذهاب فورًا إلى بيت هذا الرجل والإتيان به هو وصندوقه الذي عثر عليه، وأمرهم بعدم فتح الصندوق حتى يراه ويحكم في أمره وأمر صاحبه بنفسه. 

عاد الجنود بصحبة الرجل وصندوقه العجيب فجمع الخليفة بعض رجال مجلسه وحاشيته لينظر ماذا سيفعل بشأن هذا الرجل، ثم قال: "سنقوم بعمل مزاد على هذا الصندوق وهو مغلق كما هو، ثم نمنح المبلغ في النهاية لصاحبه الذي عثر عليه، وافق الجميع على الاقتراح بشغف شديد، بدأ المزاد ببضعة دراهم قليلة ازدادت مرة تلو الأخرى حتى وصلت إلى رقم لم يكن يتخيله أحد وهو مبلغ عشرة آلاف درهم، لمعت عين الرجل الذي استقر المزاد عليه، فأسرع كي يحمل الصندوق ويرحل. 

قال له الخليفة انتظر، سوف تقوم بفتح الصندوق أمامنا وتجعلنا جميعًا نشاهد ما بداخله، لن ندعك تحمله وترحل دون أن نطلع على مافيه، أتريد أن يقتلنا الفضول يارجل؟، قال الرجل: سمعًا وطاعة يا مولاي، وبدأ في فتح الصندوق، ليجد بداخله صندوقًا، قام بفتحه هو الآخر ليجد بداخله صندوقًا أصغر، فتح الصندوق الذي يليه فوجد صندوقًا أصغر، وتتكرر النتيجة في كل مرة، وهى عدم وجود شيء بداخل كل الصناديق، إلى أن وصل لصندوق صغير أخير، فقام بفتحه وقد بدا عليه الارتباك حين وجد بداخله فقط ورقة صغيرة كتبت فيها عبارة واحدة هي: "من أراد أن تطول لحيته، فليمشطها إلى أسفل".

هكذا كانت أيامنا، كنا بسطاء بقدر بساطتها، الرضا بالقليل كان يكفينا ويغنينا، ولم يلبث يسير بنا فيهدينا طرقًا لم نكن نعلمها من قبل، حتى نتمكن من تحقيق أغلب أمنياتنا وكل أحلامنا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: