10-1-2024 | 14:27

ما من بلد إلا ويتمنى ويرتجي تكوين منتخب وطني قوي يمثله خير تمثيل في الميادين الرياضية، ويعود إليه محملًا ومظفرًا بالبطولات والميداليات الذهبية والفضية والبرونزية، غير أن إسرائيل كان لها السبق في العقد الثاني من الألفية الثالثة بتشكيلها منتخبًا سياسيًا من عتاة وغلاة المتطرفين والعنصريين الذين يجلس أعضاؤه مستريحين على مقاعد الوزراء الوثيرة بحكومة "بنيامين نتيانياهو"، المستعد بأريحية للتحالف مع أبليس للبقاء بسدة الحكم.

هؤلاء استدعوا لتنفيذ مخطط الانتقام من حركة حماس والشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه، ويرفضون رفضا تاما أن يجاورهم مَن يقل عنهم تطرفا ومغالاة، وبعضهم يتحدث عن "الحل النهائي" للتخلص من الفلسطينيين، مثلما كان الزعيم النازى "أدولف هتلر"، يخطب في الجموع المحتشدة مستعرضًا خطته للحل النهائي للقضاء على اليهود في ألمانيا وأوروبا، ولا تزال تل أبيب تتاجر بما فعله هتلر، وتبتز العالم به، لكنها لا تمانع من تكرار الأسلوب نفسه مع أهل فلسطين الذين فقدوا كل شيء، ويحرمون حتى من حقهم الطبيعي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي العنصري البغيض.

"نيتانياهو" ومعه المستوطنون والحاخامات الذين يصدرون فتاوى تجيز ذبح الأطفال والنساء، يتوقعون أن يسلمهم منتخب المتطرفين الجائزة الكبرى المأمولة بإزالة قطاع غزة من فوق الخريطة، وتهجير سكانه قسرًا إلى داخل الإقليم وخارجه، وأن تدفن للأبد فكرة الدولتين، فإسرائيل غير عابئة ولا راغبة في التعايش السلمي، أو التوقف عن ممارساتها غير الإنسانية والإجرامية ضد الفلسطينيين، لكن عمليا لن يحصد القادة الإسرائيليون من منتخبهم سوى خيبة الرجاء والخسران وهزائم نكراء أكبر للأسباب الآتية:

أولًا: هؤلاء المتطرفون كانوا سببًا رئيسًا خلف رفع القناع عن وجه إسرائيل القبيح، وأنها كتلة هشة وضعيفة تتنازعها الأهواء والرغبات الشخصية للجالسين على مقعد القيادة، ويتصرف مسئولوها كعناصر ينتمون لميليشيا من المرتزقة وليس كرجال دولة يقدرون المسئولية ويتعاملون وفقًا لمعطياتها والتزاماتها، وأنها بعيدة تماما عن الصورة التي ظلت تصدرها للعالم كقوة عسكرية واستخباراتية لا يشق لها غبار، فإذا بها لا تستطيع صلب عودها بمفردها وبمساعدة كل ما يصلها من مؤن وتمويل من الحليف الأمريكي. 
 
وبالمناسبة فإن الدعم المادي الدولي الذي تحصل عليه إسرائيل يتضاءل في كل يوم تستمر فيه حرب غزة، بينما زاد منسوب الكراهية عالميا لها، بسبب تجاوزها كل الحدود المسموح بها في وقت الحروب، فهي تشن حرب إبادة وليس دفاعًا عن النفس مثلما تزعم.

ثانيًا: هذه التوليفة المتطرفة جاءت من خلفيات وسياقات دينية وسياسية متعارضة ولا يوجد فيما بينها توافق ولا وفاق، فهى تختلف أكثر مما تتفق في الأوقات العادية وما قبل السابع من أكتوبر، وهي مهمومة بالتيار الذي تنضوي تحته وبمصالحه وبحساباته الانتخابية واستغلال الأزمة الراهنة لتعظيم مكاسبه بدوائره الانتخابية، وهو ما سيفتح باب الصدامات المتواصلة مع بعضها البعض، لأنهم غير مجتمعين على أرضية مشتركة، وليس أدل على هذا من أن "نيتانياهو" أفصح عن نيته التقدم بمشروع قانون لإخضاع الوزراء لاختبار كشف الكذب قبل حضورهم الاجتماعات الأمنية المهمة، للتصدي لوباء التسريبات الذي تعاني منه حكومته، بل إن "نتيانياهو" نفسه، ولا تستغرب، ينفذ حرفيًا ما تمليه عليه زوجته سارة صاحبة الأمر والنهي في شئون الحكم.

ثالثًا: الداخل الإسرائيلي غير مستعد بالمرة لتكبد مزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية التي تفوق قدرته على الاحتمال والصبر، ومن واقع البيانات المعلنة فإن تكلفة الحرب بلغت حتى الآن نحو 60 مليار دولار، وتشمل كلا من الميزانية القتالية للجيش، والدعم الممنوح للاقتصاد في مختلف قطاعاته، بخلاف مئات القتلى وآلاف المصابين والمعاقين جراء العمليات العسكرية، وتذمر وحدات بقوات الاحتلال الإسرائيلية من الدفع بها للاشتباك مع مقاتلي حماس، وتذكروا احتفال جنود وحدة النخبة "جولاني" وغبطتهم، بعدما تلقوا تعليمات بالخروج من غزة، نتيجة الخسائر المتعاظمة في صفوفهم.

رابعًا: أن التحول الرهيب في توجهات ونظرة الغالبية العظمى من الرأي العام العالمى سيجعل من شبه المستحيل على منتخب المتطرفين، مهما فعل ومارس من ضغوط وألاعيب، تحقيق غايته بوأد القضية الفلسطينية التي باتت محورية، ونالت دعمًا وتعاطفًا غير مسبوق في أنحاء العالم، بل إن المسئولين بالدول الداعمة بسفور لإسرائيل وتتبنى روايتها للأحداث يواجهون بعواصف من الغضب من ناخبيهم أينما ذهبوا، ولن يصمدوا طويلا لاعتبارات داخلية محضة فى متابعة سياسة العند مع تطلعات ومواقف شعوبهم، وستكون الدعوى المرفوعة في محكمة العدل الدولية من جنوب إفريقيا عاكسة في مجرياتها لهذا الواقع.

لقد دفعت إسرائيل بخيرة محترفيها من المتطرفين والعنصريين واضعة آمالًا عريضة على أكتافهم، وتترقب ما سيحضرونه، لكنها غافلة عن أن المياه لا تجري كما تشتهي وتطمح، وأن الهزيمة السياسية والعسكرية بانتظارها، وأنها مهما عاندت فلن تجد مهربًا من دخول قاعة التفاوض ومجالسة من حسبت أنها ستمحو آثارهم من الوجود، وهم الفلسطينيون.

كلمات البحث
الأكثر قراءة