نظرة إلى قرار الدمج التعليمي لذوي الاحتياجات الخاصة

9-1-2024 | 16:14
الأهرام المسائي نقلاً عن

لم أكن أعلم ما المقصود بـ "جلسات التخاطب" أو جلسات "تنمية المهارات"، وكنت حينما أنظر إلى تلك الإعلانات في الشوارع التي كانت تلفت نظري بدرجة كبيرة وتستحوذ على جزء من تفكيري اللحظي، لأتساءل بيني وبين نفسي... ما المقصود بجلسات التخاطب؟ "هوه في حد بياخد جلسات تخاطب؟ من هؤلاء؟ طيب وليه؟"، إلى أن مررت بأحد التجارب الهامة مع أحد المقربين، لتبدأ رحلتي التعريفية العملية بكل تفاصيلها، لتتدرج على كافة المستويات الطبية والتدريبية المتخصصة، لألاحظ العبء النفسي الذي لا يستهان به ويتحمله أولياء الأمور في كل مرحلة مع أبنائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، دون فقدان للأمل في أن يكون هناك تحسن.

فبعد تدريبات شاقة لفترات طويلة، تغمرهم السعادة حينما يتمكن الابن أو الابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة من نطق كلمة واحدة، وفى المقابل، قد يصابون بخيبة أمل حينما يستمعون إلى تحذيرات بعض الأمهات من اللعب مع أبنائهم، ليعود الابن أو الابنة الذي قد يعاني من ضعف القدرة على الكلام يبكون معبرين عن حزنهم الشديد لعدم رغبة الأطفال في أن يكونوا بينهم، ليراضيهم الله بآخرين أكثر إنسانية فيحثون أبناءهم على استيعابهم والمزاح معهم، لتعود لهم ضحكاتهم حينما يعودون إلى أمهاتهم محتضنين طفلاً إذ ربما أصغر منهم بأعوام... فقد نجحوا في التعرف على صديق دون رفض من أسرته.

ومروراً بتلك الفترات تأتي رحلة إلحاق الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدرسة، وتلك المرحلة بالنسبة لأولياء أمورهم مختلفة عن معظم الآباء والأمهات للأطفال الآخرين، فتحدي الرحلة لهم يكمن ليس في اختيار المدرسة الأفضل بقدر الوصول إلى المدرسة التي تقبل أبناءهم، وذلك على الرغم من وجود قرار وزير التربية والتعليم رقم 252 لسنة 2017، والخاص بدمج الأطفال ذوي الإعاقة، والذي ينص على أحقية هؤلاء الملائكة في الالتحاق بالمدرسة الأقرب جغرافياً، ولكن غالباً ما يكون هناك صعوبة في الوصول إلى ذلك، والحق يقال ومن ملاحظة التجارب الفعلية يكون من المصلحة النفسية أو الدراسية للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة أن تكون المدرسة مؤهلة للتعامل مع حالاتهم، وليست جميع المدارس كما كنت أتصور أو تم النص عليها في القرار الوزاري.

ليبدأ أولياء أمور ذوي الاحتياجات الخاصة رحلة جديدة مع إجراءات الدمج الدراسي، والتي تتضمن تقريراً طبياً بالحالة، يليه العرض على لجنة متخصصة مصطحبين أبناءهم، ولا أخفي على حضراتكم أن تلك المرحلة على الرغم من أهميتها إلا أنها تكون مرحلة ذات أثر نفسي شديد، لكن لا يمكن إغفالها، ليحمدوا الله أنها لن تتكرر إلا بعد انتهاء المرحلة الابتدائية ليتم إعادة تقييم الحالة بعد ذلك في المرحلة التعليمية التالية.

وكنت أعتقد أن اللمسات البيروقراطية الإدارية ستكون بمنأى عن هؤلاء الملائكة، فكنت أعتقد أنه بصدور قرار الدمج للطفل، فستطبق نفس المميزات على جميع حالات الأطفال من ذوي الاحتياجات بالتساوي، وهي الإعفاء من اللغة الثانية، والتخفيف في المنهج الدراسي، مع وجود المرافق التربوي، لأتفاجأ بأن تلك الإيجابيات قد تم وضع بعض الرتوش غير المفهومة عليها، والتي تزيد من العبء النفسي والمادي على أولياء أمور هؤلاء الملائكة. ليتمتع فقط ذوو الاحتياجات الخاصة ممن يعانون من الشلل الدماغي أو التوحد بأحقية وجود المرافق التربوي، ولا يحق لذوي الاحتياجات الخاصة ممن يعانون من إعاقة ذهنية بسيطة (بعض الحالات الأخرى للإعاقات الذهنية)– وهم الأولى من وجهة نظري- من وجود المرافق التربوي أثناء الدراسة أو الاختبارات، ولمن لا يعلم دور المرافق التربوي، فهو المرافق الملازم لهذه الحالات، ووجوده وتحمل نفقاته بالكامل شرط أساسي كي يتم قبول الأبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدرسة من الأساس، فلماذا هذا التصنيف المُربك لأولياء الأمور؟ والذي يحتاج إلى إعادة إجراءات كثيرة لاستكمال رحلتهم الشاقة مع أبنائهم.

وإذا ما نظرنا إلى الأعباء المادية التي يتحملها أولياء أمور الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، فسنجدهم يتحملون للكثير من النفقات الهادفة إلى تدريب أبنائهم خارج نطاق المدرسة، بهدف زيادة قدراتهم المختلفة، وللعلم تتجاوز التكلفة المادية التي تتحملها أسرة طالب الدمج مجموع تكاليف أربعة طلاب على الأقل من الطلاب الطبيعيين، إذا ما أخذنا في الحسبان مختلف النفقات المحيطة بالعملية الدراسية، وعلى جانب محاولة ترشيد النفقات التي يتحملها أولياء أمور مثل هذه الحالات الخاصة، نجد أن بعض المدارس التي تستقبل تلك الحالات تتيح نظامًا لاقتسام مصاريف المرافق التربوي بين طالبين، ليأتي القرار الوزاري، ليشترط بأن يكون المرافق التربوي لطالب واحد فقط، وهو الأمر الذي يضاعف من النفقات المادية على أسرتين ممن رتبوا أحوالهم على وجود مرافق تربوي واحد لكل حالتين من الأبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وبالنظر إلى نقطة أخرى بخلاف مميزات نظام الدمج، وإزاحته لعبء القبول المجتمعي للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وتيسير فرص إلحاقهم بالمدارس، فإن رحلة الذهاب إلى المدرسة ذاتها لكثير من هؤلاء الملائكة لا تتعدى النزهة اليومية ذات الأثر النفسي الإيجابي لهم ولأسرهم، وأنا أعني كلمة نزهة، ليأتي الدمج كإطار إن أصاب في زيادة قدراتهم الدراسية فسيكون خير وبركة، وإن لم يصب فقد تحقق الهدف الأسمى من الدمج وهو الاختلاط والقبول المجتمعي والاستيعاب الإنساني، ومعظم أسر هذه الحالات الخاصة على يقين تام من ذلك، ويسعدون لسعادة أبنائهم طالما قادرون على تحمل أعبائها.

لأنهي مقالي بالحمد والشكر لله، والدعاء بالصمود لكل أولياء الأمور ممن رزقهم الله بأي حالة من هؤلاء الملائكة، ليعيشوا رحلتهم الدنيوية معهم بهباتها وتفاصيلها وأعبائها، وكل الرجاء في إعادة النظر في تلك النقاط التي تضمنها قرار الدمج تخفيفاً على أسر هؤلاء الملائكة من أبنائنا.

خبيرة اقتصادية 

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة