عبقرية الشهيد الساجد

4-1-2024 | 11:35

الإنسان الحر هو الساجد لخالقه، معترفا أنه عبد ذليل إلي خالقه، وأنه يخضع نفسه وجوارحه للتسليم بربوبية الله، ويعلم الساجد أن سجوده أسرع وسيلة أتصال للاقتراب من ربه، وسرعته تفوق الفمتوثانية، والعبد الحر تطفو نفسه أثناء سجوده، كأنه في معية الرحمن الرحيم، وترتقي منزلة المرء في الملأ الأعلى بالسجود، ومن أسلم وجهه خالصا لله ساجدا على الأرض صار عبدا نقي القلب، والعبد النقي يلتحق بمصاف القمم من الأنبياء والصحابة والشهداء.

ووسط زحمة الخلائق يوم الزحف تٌضيء جباه الساجدين، وتعلو على جبين الساجد غرة كتاج من اللؤلؤ، تشهد علي تميزه، والسجود الطريق إلي مرافقة رسول الله في الجنة، وقد أرشد إليه عباد الله الصالحين، ووصى به الغلام ربيعة بن كعب حين طلب منه مرافقته في الجنة، فقال له: "فأعن علي نفسك بكثرة السجود".

والسجود يعني وضع منطقة الناصية بالدماغ على الأرض، يجعله يحمي الإنسان من السحل والجذب من مقدمة رأسه إلي حافة الهاوية، ولكن من أبى وتكبر على السجود لله القهار يؤخذ بالنواصي والأقدام، ويمنح السجود شهادة السلامة لدماغ الساجد وكفاءتها بنسبة تصل إلى 99.99%، وهذا حسب نتائج أبحاث علماء غربيين، والسبب أن السجود يمنح المرء صفاءً ذهنياً، ويصبح مٌعيناً له علي مشقة التعامل مع معطيات الحياة بجودة عالية لا يشوبها حقد ولا فشل ولا غباء.

والسجود كان سببا في إسلام عالم الرياضيات الأمريكي "جيفري لانج"، واعترف أنه لأول مرة يذوق معنى للحب في حياته بعدما خضع بكامل إرادته لله، والحبيب يفسر لنا سبب هذا الشعور للعالم ولغيره من الساجدين أنه الوسيلة الفعالة لإعانة العبد على وساوس النفس.

والسجود أفضل السبل لمن يطمع في قبول دعائه، فالعبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد كما بلغنا رسول الله، أما السجود في الليل فله مكانته الفريدة في تلبية طلب المرء للفوز بالجنة، وعرفنا القرآن الكريم هذا الفضل، وقتما أيقظ جبريل عليه السلام نبينا وبلغه الأمر الإلهي في قوله تعالى: "وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً".

والسجود كان أول ردة فعل لسحرة فرعون عقب إيمانهم بموسى، وجاء وصف الله دقيقا لرد فعلهم السريع بأنهم ألقوا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين، وقال تعالي: "وألقي السحرة ساجدين. قالوا أمنا برب العالمين رب موسى وهارون".

ولعن الله إبليس وطرده من رحمته لتحديه عدم السجود لآدم، وهو ما نص عليه المفكر الأمريكي "وليم غاي كار"في كتابه "أحجار على رقعة الشطرنج"، وقال بالتفصيل استطاع إبليس اللعين محاكاة المؤمرات ضد بني آدام في الخفاء وفي جنح الظلام، حتى يسقط الإنسان في وحل الفشل، ويخسر دنياه وآخرته.

فهنيئا لعبقرية الشهيد الساجد الفلسطيني، الذي صارع آلام الموت ليلقى ربه ساجدا، فلم يرضَ فقط بالموت شهيدا والفوز بعطايا الله التي لا تحصي للشهيد، وإنما أراد أن يشكر خالقه على منحه جائزة الشهادة، وكان مقصد بني صهيون من تصوير اللحظات الأخيرة للشهيد كسر الروح فينا، فإذا به يزيد تثبيت أقدام أبطال فلسطين.
                                                   
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة