في ظل تفاقم ارتفاع الأسعار قامت الحكومة بإصدار عدة قرارات للسيطرة على الأسعار في السوق المحلية، وكان أول هذه القرارات تحديد 7 أصناف كسلع رئيسية لا يجوز إجراء أي ممارسات احتكارية أو إخفاء لها، وبناء على ذلك تم تشكيل لجنة حكومية تتابع حجم الإنتاج والمعروض منها.
موضوعات مقترحة
كما تضمنت القرارات إلزام الشركات بضرورة تدوين سعر البيع النهائي على المنتجات، وتوجيه المواطنين بالإبلاغ عن أي منفذ يبيع بالمخالفة للأسعار الاسترشادية، وقد ضمت قائمة السلع الإستراتيجية زيت خليط، الفول المعبأ، والأرز، واللبن، والسكر، والمكرونة، والجبن الأبيض.
ووافق مجلس الوزراء اليوم على تغليظ العقوبة المالية، دون العقوبة البدنية، بحيث تنص المادة بعد التعديل على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز مليوني جنيه، أو ما يعادل قيمة البضاعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، كل من خالف حكم المادة 8 من هذا القانون، على أن تُضاعف العقوبة في حالة العود في حديها الأدنى والأقصى، فإذا كان قد سبق الحكم على العائد مرتين بالحبس والغرامة، ثم ثَبُتَ ارتكابه جريمة مُعاقباً عليها بالحبس والغرامة معاً، فتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن 300 ألف جنيه، ولا تجاوز 5 ملايين جنيه.
ونصت المادة أيضاً على أنه في جميع الأحوال تُضبط الأشياء موضوع الجريمة، ويُحكم بمصادرتها، وبنشر الحكم في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة المحكوم عليه، كما يجب الحكم بإغلاق المحل مدة لا تجاوز 6 أشهر، وجواز الحُكم بإلغاء رخصة المحل.
عدم ممارسة الاحتكار على 7 سلع إستراتيجية
في البداية، يقول الدكتور فرج عبد الله الخبير الاقتصادي بأكاديمية الثقافة والعلوم وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، إن الحكومة سعت إلى ضبط الأسعار من خلال إلزامها للشركات المنتجة بإصدار فواتير بيع متضمنة البيانات التي توضح نوع المنتج أو السلعة وكمياتها، وسعر بيع المصنع للمنتجات، كما ألزمت الحكومة للشركات بأن تُدون على المنتجات من بداية من شهر مارس المقبل، الحد الأقصى لسعر بيعها النهائي للمستهلك شاملًا الضرائب والأعباء المالية وبخط واضح، وهذه هي أول الخطوات لضبط الأسعار.
الدكتور فرج عبد الله
" ولذلك جاءت خطوة الحكومة أنها أقرت 7 أصناف كسلع إستراتيجية، بهدف ضبط الأسعار في الأسواق، وإحكام الرقابة للتأكد من عدم وجود ممارسات احتكارية لحماية المستهلكين، مضيفًا أن الغرف التجارية والمواطنين لديهم دور، بجانب الأجهزة الرقابية في تفعيل الرقابة على المنافذ والمتاجر بكل أنحاء الجمهورية.
ويكمل، أنه ووفقًا للمادة الثامنة من قانون حماية المستهلك، فإنه يحظر حبس المنتجات الإستراتيجية المعدة للبيع عن التداول، بإخفائها أو عدم طرحها أو الامتناع عن بيعها، مع تحديد رئيس مجلس الوزراء المنتجات الإستراتيجية لفترة زمنية محددة وضوابط تداولها، ويلتزم حائزو المنتجات الاستراتيجية لغير الاستعمال الشخصي بإخطار الحكومة بالسلع المخزنة لديهم وكمياتها.
اقتصاد السوق الحرة
وفي سياق متصل، يشير الدكتور فرج عبد الله، إلى أن منع الاحتكار على الـ7 سلع الإستراتيجية، تعتبر قرارات لا تتضارب مع مبادئ اقتصاد السوق الحرة، موضحا أن الحكومة ألزمت الشركات بكتابة حد أقصى لسعر البيع النهائي للسلعة للمستهلك، دون أن تحدد هامشا للربح، أو تحدد سعرا إلزاميا، ووجهت الأجهزة الرقابية بتفعيل دورها للتأكد من انتظام بيع السلع في المنافذ والمتاجر بنفس السعر المعلن.
" ويساند هذه القرارات قرار وزير التموين، الذي أكد فيه أنه على الشركات وضع الأسعار على المنتجات على أن يتم وضع ملصق فوق السعر يتضمن عبارة هي الحد الأقصى لسعر البيع النهائي للمستهلك، شاملًا الضريبة والأعباء المالية باللغة العربية وبخط واضح وظاهر وغير قابل للإزالة أو المحو، ويجوز أن يكون التدوين مصحوبًا بالترجمة.
ويكمل، أن السعر المكتوب على السلع المدعمة، التي قدمت الحكومة كل التسهيلات للمنتجين لخفض أسعارها، وذلك بسبب إعفاء المستوردين من الرسوم الجمركية وغرامات التأخير، وتوفير النقد الأجنبي اللازم لسرعة استيراده وبيعه في السوق بهذا السعر، مشيرًا إلى أن قرارات الحكومة تستهدف ضبط الأسواق من خلال إحكام الرقابة.
لجنة حكومية دائمة
ومن جانبه، يقول الدكتور أحمد سعيد البكل الخبير الاقتصادي والأستاذ بكلية السياسة والاقتصاد جامعة السويس، إنه من الضروري وجود لجنة حكومية دائمة تعمل على ضبط آليات الأسواق وأسعار السلع، كما تتولى متابعة الإتاحة وكميات الإنتاج والاستهلاك والاستيراد بصفة دورية، ووضع منظومة شاملة بشأن متابعة إجراءات وضوابط الأسعار، وكذا وضع مؤشرات قياس للتحقق من استقرار السعر العادل للمستهلك، والعمل على رقمنة كل عمليات تداول وبيع السلع من خلال منظومة محدثة، بدءا من عملية الإنتاج حتى البيع للمستهلك.
الدكتور أحمد البكل
" مع ضرورة اهتمام اللجنة بمتابعة ما تتوصل إليه من مخرجات ونتائج الدراسات التي تبحثها في دعم جهود الدولة في هذا الإطار، مع التركيز على مجموعة الآليات التي تسهم في تطبيق قرارات ومخرجات اللجنة، تحقيقاً للأهداف المرجوة، ولمواجهة إرتفاع الأسعار من الضروري الاستمرار في ضخ المزيد من الكميات من السلع بالأسواق والمجمعات التجارية تحقيقاً للوفرة والإتاحة.
ويكمل، أنه من الضروري إحكام الرقابة على الأسواق من خلال تكثيف الحملات الرقابية والتواجد الميداني بشكل مستمر من جانب مختلف الجهات الرقابية، مع ضرورة تشكيل لجنة دائمة تابعة لمجلس الوزراء لمتابعة أسعار السلع الغذائية الإستراتيجية بشكل دوري وإعداد تقارير أسبوعية للتحقق من عدم تجاوز الأسعار لتلك السلع، مع وجود دراسة استصدار قرار من مجلس الوزراء بتحديد السلع الغذائية الرئيسية لفترة زمنية محددة، وفقًا لمواد قانون حماية المستهلك.
توصيات للخروج من أزمة ضبط الأسعار
ويتابع الدكتور أحمد البكل: من الضروري وضع الكثير من التوصيات لضبط أزمة الأسعار، ومن هذه التوصيات المقرر تنفيذها بعضها على المدى المتوسط والبعض الأخر على المدى الطويل، فتتمثل في استحداث نظام إلكتروني لمتابعة تداول السلع، بما يتيح تتبعها من مكان توريدها الأصلي وصولًا إلى المستهلك، مع ضرورة العمل على زيادة حجم الاستثمارات في المناطق اللوجستية للسلع الغذائية الإستراتيجية.
" مع ضرورة تغليظ العقوبة على كل من يحتكر أو يخفي السلع عن المواطنين، وهناك تكليف لوزير العدل بإعداد تعديل تشريعي بهذا الشأن. وتشكيل لجنة دائمة لمتابعة حركة الأسواق، بشكل مركزي، وعلى مستوى المحافظات، مع ضرورة المتابعة الدورية بشكل شخصي لموقف إنتاج وتوافر السلع، وأسعارها على مستوى الجمهورية، وعرض ما يتم إعداده من تقارير في هذا الشأن خلال اجتماعات مجلس الوزراء.
ويكمل: أهمية تفعيل دور جهاز حماية المستهلك في الأسواق بشكل فعال كامل، بالإضافة إلى قيام وزارة التموين بدورها الفعال في الرقابة وذلك بالمشاركة مع الأحياء في المحافظات، مع ضرورة تشديد الرقابة على حلقات الوصل التي تكون بين المزارع و تاجر الجملة، إضافة إلى العمل على تشديد العقوبة خلال الفترة الحالية لكل من يخالف القانون ويعمل على احتكار السلع التي بالفعل تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
"مع ضرورة وضع وتفعيل تشريعات تحظر أو تنظم الاحتكار والسلوك المضاد للمنافسة، ويتضمن ذلك تحديد الحدود القانونية بنسبة حصة السوق التي يمكن أن يحتلها تاجر معين وتنفيذ عقوبات رادعة على المخالفين، مع ضرورة تعزيز المنافسة في السوق عن طريق تشجيع دخول المزيد من اللاعبين في السوق وتوفير بيئة تنافسية صحية، ويمكن ذلك عن طريق تيسير الإجراءات التنظيمية والقانونية لتأسيس الشركات الصغيرة والمتوسطة.
منع الممارسات الاحتكارية
كما أكد خبير الاقتصاد الدكتور رشاد عبده، أهمية تعزيز جهود المراقبة والرقابة على السوق للتأكد من عدم وجود ممارسات احتكارية، ويمكن تشكيل هيئات تنظيمية مستقلة تتولى مراقبة السوق وفحص الانتهاكات المحتملة لقوانين المنافسة، إضافة إلى تعزيز الشفافية في السوق عن طريق توفير معلومات كافية للمستهلكين والمنافسين حول الأسعار والمنتجات وشروط السوق ويمكن ذلك عن طريق إنشاء منصات إلكترونية للمقارنة والمعلومات، وتشجيع التجار على الكشف الشفاف عن أسعارهم وسياساتهم.
الدكتور رشاد عبده
" كما يمكن للحكومة دعم تنوع الاقتصاد وتشجيع تنمية القطاعات الاقتصادية البديلة، هذا يعني توجيه الاستثمار والدعم للصناعات والشركات الصغيرة والمتوسطة والمبتكرة، وتعزيز الابتكار وتنمية القدرات التنافسية في هذه القطاعات، ويمكن للحكومات تنظيم الأسواق وتحديد القواعد والمعايير التي يجب على التجار الالتزام بها.
ويكمل: بالفعل قرارات الحكومة ضرورة أن يتم فيها طباعة الأسعار على أي سلعة يتم إنتاجها في أي مصنع، وذلك في إطار عدد من إجراءات الحوكمة التي تستهدف عدم وجود زيادات مُبالغ فيها من الحلقات الوسيطة بين المنتج والمستهلك، حتى يتم تنظيم السوق لأن ذلك يصب في مصالح الجميع، مع ضرورة توفير السلع وهو ما يسهم في توازن الأسعار، مع وجود أسعار عادلة لها، بعيدا عن أي ممارسات، وبما أن الدولة تطبق سياسة السوق الحرة، ولكن في الوقت نفسه هناك ظروف استثنائية تستدعي تعاون الجميع لتخفيف الضغوط عن المواطنين، بعيدا عن أي ممارسات أخرى.
استغلال الأزمات محرم شرعا
وحول رأي الدين يشير الدكتور علي مصطفى من علماء الأزهر الشريف إلى أن الإسلام لم يهمل مشكلات الغلاء وارتفاع الأسعار، وإنما عالجها بعدة طرق، ومنها أنه أمر بانظار المعسر وحثَّ على التصدُّق عليه، ورغب في السماحة في البيع والشراء، وحث الجميع على ترشيد الاستهلاك، ونَهى عن الاحتكار، فضلًا عن ضرورة التخطيط لمصروف البيت، وهو أمر تتميز به المرأة عبر العصور لأنها داعمةً لبيتها دائما .
الدكتور علي مصطفى
" كما أن احتكار السلع والأقوات استغلالًا للأزمات يعتبر عمل محرم شرعا، وقد دلت النصوص الشرعية على أن الاحتكار من أعظم المعاصي، فروى الإمام مسلم بسنده عن معمر بن عبدالله رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطئ». وفي روايةٍ لمسلمٍ أيضًا: «من احتكر فهو خاطئ».
الاحتكار جريمة وذنب عظيم يوقع صاحبه في المحظور
وفي سياق متص، يتابع الشيخ علي مصطفى علي: إن الاحتكار في اللغة يعني الظلم، والاحتكار هو عبارة شراء سلعة معينة بكثرة وحبسها حتى يرتفع ثمنها، والشرط في الاحتكار هو أن المحتكر قام بشرائها وتخزينها وقت الغلاء، ويختلف الأمر عند تخزين السلع في وقت انخفاض الأسعار، هنا لا يعتبر محتكرا لأنها تخزين فقط وكذلك تكون السلعة متوافرة للمواطنين.
"وقد شرع المولى عز وجل البيع والشراء وقد شرعهم لحاجة الناس لها، ولكن الاحتكار يعتبر ضد حاجة الناس في البيع والشراء استنادا لقول الله تعالى "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" والأية الكريمة تشير وكأن المحتكر يسير في صف الربا المحرم والمجرم، لأن الله حرم الربا استنادا لقول الله تعالى " كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ"؛ حيث إن المشكلة في الربا أنها تجعل الأغنياء تزداد غنى والفقير يزداد فقرا، وفي القاعدة الأصولية" يوجد أن الضرر يزال، فلابد من مراعاة هذه القاعدة الأصولية .
كما توجد الكثير من الأحاديث التي تشير إلى خطورة الاحتكارات منها " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون"، أما الحديث التالي" من احتكر طعاما أربعين يوما يريد به الغلاء فقد برئ من الله وبرئ الله منه" وبذلك تبين الأحاديث النبوية وبال الاحتكار بهدف ارتفاع أسعارها وتحقيق مكاسب مضاعفه، والتي تسبب زيادة هموم المواطن أكثر، بسبب عدم وجود إيمان عند المحتكر، رغم أن الأصل أن الإنسان إذا كان لديه فضل زائد عن حاجته وجب أن يعطيه لمن لا زاد له، وهذا من أصل الدين وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم " والله لا يؤمن.. من بات شبعان وجاره بجواره جائع وهو يعلم، فما بالكم من المحتكر الذي يمنع السلعة مما يسببان غلاء فاحش للسلع وعدم وجودها.
ويقول الحديث النبوي يقول "لا يحتكر إلا خاطئ» والخاطئ هو العاصي والإثم وعليه إثم الاحتكار، كما أن المحتكر في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وهو ليس تبريرا للمحتكر ولكنه خائف لأنه يريد تحقيق مكسب، ولكن ذلك ليس مبررا، ولكنهم يتوقفون عن البيع لفترة معينة لتحقيق مكاسب أكبر، وهذا أمر خاطئ لأنه من الضروري وجود حد أدني من البيع، ويجب أن يتم من أجل المصلحة العامة، ولكن للأسف المحتكر يغلب ويؤثر مصلحته الخاصة على المصلحة العامة وهذه مشكلة كبيرة وأمر خطير جدا دينيا، لأن الاحتكار له ضرر ديني واجتماعي واقتصادي ويسببها المحتكر للسلع.
ردع المحتكرين بالطرق الحاسمة
ويستطرد الشيخ علي مصطفى علي، أنه يجب على ولي الأمر والدولة والحكومة وكل من له سلطة، منع هؤلاء المحتكرين من الاحتكار، لأنه ربما الكلام لا يجدي مع المحتكرين.
ويقول سيدنا عمر رضي الله عنه "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" أي أن المحتكر يحتاج لطرق حاسمة تقضي بينه وبين الناس، من خلال سحب بضاعة ولكن دون بخس ثمنها لكن أن يحصل على ماله الذي اشترى بها مستلزمات الإنتاج أو البضائع، وإعطائه هامش ربح بسيط لوجه الله بدلًا من تطبيق قضايا عليه وتحريزها وتشميعها لأن حجزها لن ينفع المستهلك، لكن الهدف أن تتم معالجة الاحتكار بهدف صالح المواطن.