3-1-2024 | 13:16

الإرهاب والعنف، صفتان أساسيتان في تركيبة إسرائيل، حتى من قبل قيامها عام ١٩٤٨، ولا تستطيع التنفس إلا بواسطتهما، أما الصفة الثالثة الذميمة فهي إحساسها الطاغي بالاستعلاء، وأنه يحق لها فعل ما تريده دون اكتراث بما إذا كان يتوافق ويتسق مع القوانين والأعراف الدولية، وانتهاكاتها وتعدياتها على القانون الدولي وسيادة الدول تحتاج لمجلدات من الأحجام الكبيرة لسردها وعرض تفاصيلها الدقيقة.

ولديها توهم واعتقاد خاطئ وساذج بأنها ستبلغ مرادها في الثأر والانتقام والتشفي بتدشينها "حرب الاغتيالات" انطلاقًا من العاصمة اللبنانية بيروت بقتلها القيادي الفلسطيني البارز "صالح العاروري" نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وسوف تقر عينها من بعدها، مع علمها وتأكدها الجازم بأنها فتحت أبواب الجحيم، فحزب الله الذي تم اختراق مملكته الحصينة في الضاحية الجنوبية لن يترك الواقعة تمر مرور الكرام، وسوف يسعى لرد اعتباره باستهداف مسئولين أو قريبين من حكومة "نيرون" الألفية الثالثة "بنيامين نيتانياهو"، الذي يتفنن في إشعال أكبر عدد ممكن من الحرائق وبؤر التوتر بالمنطقة وخارجها، منذ هجمات السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.

لكن واضح أن الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية تغض بصرها عامدة متعمدة عن مآثر ودروس التاريخ، ويلزمها من يعيد تذكيرها بها؛ لأنها تسير على طريق لن تحصد منه سوى حصة وفيرة من الخسائر والعداوات وفقدان الأمن والاستقرار، ثم جرعات مضاعفة من الحسرة والندم والخذلان.

فلو كانت أرهقت نفسها قليلًا، وأنعشت ذاكرتها الضعيفة لعلمت أنها استخدمت في الماضي سلاح الاغتيال دون جدوى ضد "جماعة أيلول الأسود" الفلسطينية في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، وغيرها من حركات المقاومة الفلسطينية، بما فيها حركة فتح، وقتلت غدرًا بعضًا من قياداتها ورموزها المؤثرة والفاعلة، فهل اغتالت معهم مفهوم المقاومة؟ نعم هي نجحت في قتل أشخاص، لكن الفكرة بقيت حية ومتوهجة، وتنتقل من جيل للذي يليه أقوى وأشد مما كانت عليه سابقًا، فهي ميراث يصونه أصحابه، ولا يفرطون فيه مهما جرى.

ألم يفكر الإسرائيليون لبرهة أنهم حاصروا حماس داخل قطاع غزة عامًا بعد عام، وضيقوا عليها سبل الحياة والبقاء بكافة الوسائل البشعة وغير الإنسانية الممكنة وغير الممكنة، واستقر في وجدانهم أنه لن تقوم لها ولمقاتليها قائمة، فإذا بهم يستيقظون على وقع كابوس وضربات السابع من أكتوبر الذي أفقدهم توازنهم ونسف اعتقاداتهم وحساباتهم المبنية على رمال متحركة.

وإن مدوا نظرهم لخارج حدودهم باتجاه بريطانيا التي تقف معهم قلبًا وقالبًا الآن وتجربتها مع "الشين فين" في إيرلندا، لأدركوا بؤس تفكيرهم وقصر بصرهم وبصيرتهم، فالحليف البريطاني استخدم أسلحة الشدة والترهيب مع الحزب الساعي لاستقلال إيرلندا عن التاج البريطاني، وتبادلا الاغتيالات لسنوات، وتدفقت أنهار الدماء، إلى أن أدركا أنه لا بديل ولا مهرب من الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وحل الخلافات سلميًا وبالمرونة، وتقديم التنازلات لاستعادة الاستقرار، ووقف أنهار الدم المسال بلا طائل.

وعندهم نظام "الأبارتايد" في جنوب إفريقيا، الذي لم يكن يعرف لغة سوى القوة وتوجيه طلقات الرصاص لسويداء القلب، والزج بكل مَن يعارض الفصل العنصرى في غياهب الزنازين الانفرادية، لكي يتعفنوا داخلها، وقتلهم ببطء شديد، وظل يقاوم ويعاند إلى أن استوعب أنه لا محيص من التفاوض، وإلقاء أفكاره ومعتقداته البالية والشاذة لأقرب صندوق قمامة – إسرائيل تشارك الأبارتيد قسطًا كبيرًا من مفاهيمه وأسسه العنصرية، واختار العيش في وئام وسلام بمجتمع متعدد الأعراق، وأنه لا فضل لعرق على الآخر، وأن الجميع سواسية ويستحقون الحياة الكريمة والآدمية.

وكتب التاريخ بشقيها القديم والحديث زاخرة ومكتظة بنماذج وتجارب مماثلة ولا يتسع المجال لإيرادها وبيانها، لكن كلها مجتمعة على أنه لا حياة هانئة لأي محتل، وأن الاحتلال، مهما طال، فعمره قصير وسينتهي حتمًا، وأن المقاومة حق مشروع لا ينازع فيه أحد الشعوب المحتلة، وأن الدماء لا تجلب سوى المزيد منها، وأن أولى ضحايا "حرب الاغتيالات" ستكون إسرائيل التي لا تجد، حتى ساعتنا تلك، من يوقفها عند حدها، ويضع لها الخطوط الفاصلة التي يتعين عليها عدم تجاوزها، وتبذل قصارى جهدها لإشاعة مناخ وأجواء عدم الاستقرار، ثم تعتلي مسرح الأحداث تتباكى بدموع التماسيح، زاعمة أنها ضحية وتتعرض للخطر!!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: