تأثرت العلاقات الاجتماعية في الآونة الأخيرة وأصيبت بنوع من الخلل الذي يصل إلى حد التقصير أحيانًا وربما غالبًا، وأكثر الأمور إيلامًا للذات هو تعرضها الدائم للنقد وإلقاء اللوم عليها كأنها تواجه طعنات من جميع الجهات؛ ولذلك كان لزامًا علينا أن نجد حلًا لمشكلة مستحدثة نتجت عن توافر ظروف إجبارية فرضت وجودها علينا ونالت منا جميعًا، فاليوم الذي كان يسع للقيام بالعديد من الأشياء تغير وأصبح مختلفًا عما كان، فالإنسان الذي كان يذهب إلى عمله يستطيع في نفس اليوم القيام بزيارة أفراد عائلته الذين كانوا يعيشون في منزل واحد وقريب في أغلب الأحيان.
كان الرجل في الماضي القريب يذهب إلى عمله ويعود لبيته ليتناول طعام الغداء، ثم ينعم بنوم القيلولة، ويستيقظ نشيطًا ليجد متسعًا من الوقت يكفيه لاصطحاب أفراد أسرته والذهاب معهم في رحلة من ساعات للتسوق وشراء للحاجيات أو للترفيه دون ضجر من إنجاز تلك المهام؛ أما الآن فتجد أن ساعات عمله تمر ثقيلة عليه والعودة منه لمنزله تعد معجزة وسط فوضى العشوائية والزحام اللذان يرعيان في أرضه ويستحوذان على تفكيره على غير رغبة منه، ولولا أنه ما زال متمسكًا ببعض الإيمان لهلك من الشكوى، لكنه يعود ليرضى بما قسمه الله له.
ولأننا نفضل السلام والابتعاد عن مناطق الخلاف والجدال سنلجأ حتمًا لتطبيق تلك النظرية التي تعنى بالأمور الاقتصادية محاولين تطبيقها على علاقاتنا الاجتماعية كحل بديل؛ إن هذه النظرية التي تسمح بعمل تقارب ما بين "الحاجة والرغبة" ستمكننا من حل القضية حلًا مرضيًا إلى حد ما، فالحاجة هي الشعور بالنقص أمام شيء يجب أن نحصل عليه؛ لأننا لن نتمكن من العيش بطريقة طبيعية من دونه، أما الرغبة فهي شعور بتمني الحصول على شيء ما قد لا يكون ضروريًا، لكنه محببًا إلى أنفسنا فقط.
إن أصعب أمر يواجهنا هو الجمع ما بين الحاجة والرغبة بنسب متساوية في كل الأحيان؛ فربما الحاجة التي تقتضي التواصل من أجل الإبقاء على الترابط العائلي تكون مهمة، لكنها غير كافية ولا تتناسب مع حجم الرغبات التي نريد تحقيقها على أرض الواقع، لذلك ستبقى الرغبة في الاستمرارية المطلقة حبيسة داخل منطقة الأمنيات، وهنا سنربط بين الأمرين بخط وهمي يقول بأننا موجودون حقًا، لكننا لسنا متاحين على الدوام.
أعلم أن الأمر في البداية سيبدو غير مرغوبٍ به من الجانبين، ولكنه من خلال تطبيق تلك النظرية سيكون حلًا عادلًا، خاصة ونحن نعيش تفاصيل هذا الزمان.
من الصعب أن تطالبني بأن أطبق ما كان يسيرًا في الماضي بعد أن أصبح مستحيلًا الآن؛ إن الساعات اليومية التي تم اختزالها ونزع ما بها من بركات جعلنا نفقد الكثير من المعطيات؛ لذلك فالتواصل سيكون على قدر الحاجة والإمكانيات وليس على قدر الأمنيات والرغبات، إن كنت في حاجة ماسة لذلك ستجدني جوارك بشكل من الأشكال، لكني لن أكون متاحًا في جميع الأحيان، التماس الأعذار لبعضنا البعض سلوك راق جميعنا في حاجة للتعامل به خاصة في تلك الأيام وفي هذا الزمان.
.